فالثورة على المير بشير كانت في هذا الشهر، وثورتنا على يوسف باشا فرنكو كانت فيه، والثورة على الشيخ بشارة كانت فيه أيضا، واليوم نسمع دندنة ولا ندري إذا كان يفوع القفير ... ومن غرائب الصدف أن جميع انقلاباتنا كانت بيضاء ...
ما أشبه الليلة بالبارحة، أشاع أخصام الشيخ بشارة أنه لم يكتف بالتجديد، بل يريد أن يجعل ولايته الثانية أبدية، لا إلى الجيل الثالث، كما يمنح الباباوات الغفرانات الكاملة. فحميت حديدة المعارضة. وعبثا حاولنا إقناع أكثرهم حدة بأن الإشاعة كاذبة. وقد جرى بيني وبين أبرز شخصياتهم حوار حول هذا الموضوع، ولست أذكر التفاصيل وأقدم الشهود إلا إذا رخص لي بذلك.
إني أقول هذا ليفهم الناس أن فكرة التجديد أبعد ما تكون عن بال الرئيس الحالي؛ فقد عودنا أن يكون منسجما مع نفسه وهو لا يؤيد اليوم ما شجبه بالأمس. أقول هذا بعدما قرأت في مجلة كل شيء: أن المرشحين لرئاسة الجمهورية بلغوا العشرة عددا، وأن التجديد للرئيس شمعون أصبح أمرا واقعا. أما أنا فأقول: لا. فالخلاف كله واقع على اللحاف، فهل نتغطى به دائما! وكيف ننام والبردانون يوحوحون حولنا ...
أنا حضرت بنفسي ثورة أيلول على رئاسة المير قبلان بللمع وناصيف الريس وغيرهما، وقد ذكرني الأستاذ إميل خوري بكلمة يوسف باشا لنا: «فين وكالاه» يعني أين وكالتكم عن الشعب؟ فأراه الشيخ كنعان الضاهر تلك الوكالة الناطقة، حين فتح باب شرفة الباشا، وأراه ساحة ميدان بتدين تموج باللفات والطرابيش. فنام دولته على «عدم الثقة» وعزل لنا من طلبنا عزلهم، وعين من طلبنا تعيينهم، وهكذا كانت ثورتنا - كما هي في كل حين - ثورة وظائف. ولا أكون مبالغا إذا قلت: إن كل من يقرأ أو يكتب في لبنان يحلم بوظيفة ما. أذكر أني قلت لمستوزر: وأنت أيضا يا ...
فأجابني بنبرة: مستصغرني! ما زال فلان صار وزيرا، فأنا يحق لي أن أحلم بالرئاسة.
غريب شأن هذا البلد! لقد هزل الحكم فيه حتى سامه كل مفلس. وعلى كل، فإني أرجو أن نكون دائما خيرا مما نحن، ولا أحسب أن التجديد يضيرنا، نحن المساكين، ولكن يضير المنتظرين على أحر الجمر فكل يحلم بدوره: أما قال الأستاذ الظريف أبو شهلا: ولماذا لا أرشح نفسي، أما كان الدباس رئيسا؟!
قالوا للبطرك إلياس: عندما كنت كاهنا كنت فظا تضرب بالعصا، ولما صرت مطرانا اكتفيت بالعياط، ولما صرت بطركا بردت؟!
فأجاب: لما كنت كاهنا كنت متكلا على المطارين، ولما صرت مطرانا بقيت متكلا على البطرك؛ ليرقع ما أخزق. أما وقد صرت بطركا، فما أمزقه لا يخيطه أحد.
وأستاذنا الذي تسميه الصحافة، برنادوت لبنان، إذا صار رئيسا، فهل عند برنادوت آخر! كما يقول أبو نواس للأمين:
من ذا يكون أبا نوا
Page inconnue