51

Proximate Fatwas of Ibn Taymiyyah

تقريب فتاوى ابن تيمية

Maison d'édition

دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع

Numéro d'édition

الأولى

Année de publication

١٤٤١ هـ

Lieu d'édition

السعودية

Genres

بَاطِنًا وَظَاهِرًا لِحجَّةٍ أَو حَاجَةٍ، فَالْحُجَّةُ لِإِقَامَةِ دِينِ اللهِ، وَالْحَاجَةُ لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ مِن النَّصْرِ وَالرِّزْقِ الَّذِي بِهِ يَقُومُ دِينُ اللهِ، وَهَؤُلَاءِ إذَا أَظْهَرُوا مَا يُسَمُّونَهُ إشَارَاتِهِمْ وَبَرَاهِينَهُم الَّتِي يَزْعُمُونَ أَنَّهَا تُبْطِلُ دِينَ اللهِ وَشَرْعَهُ وَجَبَ عَلَيْنَا أَنْ نَنْصُرَ اللّهَ وَرَسُولَهُ ﷺ، وَنَقُومَ فِي نَصْرِ دِينِ اللّهِ وَشَرِيعَتِهِ بِمَا نَقْدِرُ عَلَيْهِ مِن أَرْوَاحِنَا وَجُسُومِنَا وَأَمْوَالِنَا، فَلَنَا حِينَئِذٍ أَنْ نُعَارِضَ مَا يُظْهِرُونَهُ مِن هَذِهِ المخاريق بِمَا يُؤَيِّدُنَا اللهُ بِهِ مِن الْآيَاتِ. وَليُعْلَمَ أَنَّ هَذَا مِثْلُ مُعَارَضَةِ مُوسَى لِلسَّحَرَةِ لَمَّا أَظْهَرُوا سِحْرَهُم أَيَّدَ اللهُ مُوسَى بِالْعَصَا الَّتِي ابْتَلَعَتْ سِحْرَهُمْ. فَجَعَلَ الْأَمِيرُ يُخَاطِبُ مَن حَضَرَهُ مِن الْأُمَرَاءِ عَلَى السِّمَاطِ بِذَلِكَ، وَفَرِحَ بِذَلِكَ وَكَأَنَّهُم كَانُوا قَد أَوْهَمُوهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ لَهُم حَالٌ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى رَدِّهِ. وَحَضَرَ شُيُوخُهُم الْأَكَابِرُ فَجَعَلُوا يَطْلُبُونَ مِن الْأَمِيرِ الْإِصْلَاحَ وَإِطْفَاءَ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ ويتَرَفَّقُونَ، فَقَالَ الْأَمِيرُ: إنَّمَا يَكُونُ الصُّلْحُ بَعْدَ ظُهُورِ الْحَقِّ. فَلَمَّا جَلَسْنَا وَقَد حَضَرَ خَلْقٌ عَظِيمٌ مِن الْأُمَرَاءِ وَالْكُتَابِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْفُقَرَاءِ وَالْعَامَّةِ وَغَيْرِهِمْ، وَحَضَرَ شَيْخُهُم الْأَوَّلُ الْمُشْتَكِي وَشَيْخ آخَرُ يُسَمِّي نَفْسَهُ خَلِيفَةَ سَيِّدِهِ أَحْمَد وَهُم يُسَمُّونَهُ: عَبْدَ اللهِ الْكَذَّابَ، وَلَمْ أَكُنْ أَعْرِفُ ذَلِكَ. وَكَانَ مِن مُدَّةٍ قَد قَدِمَ عَلَيَّ مِنْهُم شَيْخٌ بِصُورَة لَطِيفَةٍ، وَأَظْهَرَ مَا جَرَتْ بِهِ عَادَتُهُم مِن الْمَسْأَلَةِ فَأَعْطَيْته طُلْبَتَهُ وَلَمْ أَتَفَطَّنْ لِكَذِبِهِ حَتَّى فَارَقَنِي، فَبَقِيَ فِي نَفْسِي أَنَّ هَذَا خَفِيَ عَلَيَّ تَلْبيسُهُ إلَى أَنْ غَابَ، وَمَا يَكَادُ يَخْفَى عَلَيَّ تَلْبِيسُ أَحَدٍ؛ بَل أُدْرِكُهُ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ (^١)، فَبَقِيَ ذَلِكَ فِي نَفْسِي وَلَمْ أَرَهُ قَطُّ إلَى حِينِ نَاظَرْته ذَكَرَ لِي أَنَّهُ ذَاكَ الَّذِي كَانَ اجْتَمَعَ بِي قَدِيمًا، فَتَعَجَّبْت مِن حُسْنِ صُنْعِ اللهِ أَنَّهُ هَتَكَهُ فِي

(^١) هذا من كمال فطنته وفراسته ﵀، وله مثل ذلك وأعظم، كما ذكره تلميذه ابن القيم.

1 / 57