159

Proximate Fatwas of Ibn Taymiyyah

تقريب فتاوى ابن تيمية

Maison d'édition

دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع

Numéro d'édition

الأولى

Année de publication

١٤٤١ هـ

Lieu d'édition

السعودية

Genres

ذَلِكَ الْمَكَانِ بِالصَّلَاةِ فِيهِ أَو النُّزُولِ لَمْ نَكُنْ مُتَّبِعِينَ؛ بَل هَذَا مِن الْبِدَعِ الَّتِي كَانَ يَنْهَى عَنْهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ؛ كَمَا ثَبَتَ بِالْإِسْنَادِ الصَّحِيحِ مِن حَدِيثِ شُعْبَةَ عَن سُلَيْمَانَ التَّيمي عَن الْمَعْرُور بْنِ سويد قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي سَفَرٍ، فَصَلَّى الْغَدَاةَ ثُمَّ أَتَى عَلَى مَكَانٍ فَجَعَلَ النَّاسُ يَأْتُونَهُ فَيَقُولُونَ: صَلَّى فِيهِ النَّبِيُّ ﷺ فَقَالَ عُمْرُ: "إنَّمَا هَلَكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنَّهُم اتَّبَعُوا آثَارَ أَنْبِيَائِهِمْ فَاتَّخَذُوهَا كَنَائِسَ وَبِيَعًا، فَمَن عَرَضَتْ لَهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ وَإِلَّا فَلْيَمْضِ". فَلَمَّا كَانَ النَّبِيُّ ﷺ لَمْ يَقْصِدْ تَخْصِيصَهُ بِالصَّلَاةِ فِيهِ بَل صَلَّى فِيهِ لِأنَّهُ مَوْضِعُ نُزُولِهِ: رَأَى عُمَرُ أَنَّ مُشَارَكَتَهُ فِي صُورَةِ الْفِعْلِ مِن غَيْرِ مُوَافَقَةٍ لَهُ فِي قَصْدِهِ لَيْسَ مُتَابَعَةً؛ بَل تَخْصِيصُ ذَلِكَ الْمَكَانِ بِالصَّلَاةِ مِن بِدَعِ أَهْلِ الْكِتَاب الَّتِي هَلَكُوا بِهَا، وَنَهَى الْمُسْلِمِينَ عَن التَّشَبُّهِ بِهِم فِي ذَلِكَ، فَفَاعِلُ ذَلِكَ مُتَشَبِّهٌ بِالنَّبِيِّ ﷺ فِي الصُّورَةِ، وَمُتَشَبِّهٌ بِالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فِي الْقَصْدِ الَّذِي هُوَ عَمَلُ الْقَلْبِ. وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ؛ فَإِنَّ الْمُتَابَعَةَ فِي السُّنَّةِ أَبْلَغُ مِن الْمُتَابَعَةِ فِي صُورَةِ الْعَمَلِ، وَلهَذَا لَمَّا اشْتَبَهَ عَلَى كَثِيرٍ مِن الْعُلَمَاءِ جَلْسَةُ الاِسْتِرَاحَةِ: هَل فَعَلَهَا اسْتِحْبَابًا أَو لِحَاجَةٍ عَارِضَةٍ؛ تَنَازَعُوا فِيهَا. وَكَذَلِكَ نُزُولُهُ بِالْمُحَصَّبِ عِنْدَ الْخُرُوجِ مَن مِنَى لَمَّا اشْتَبَهَ: هَل فَعَلَهُ لِأَنَّهُ كَانَ أَسْمَحَ لِخُرُوجِهِ أَو لِكَوْنِهِ سُنَّةً؟ تَنَازَعُوا فِي ذَلِكَ. وَمِن هَذَا وَضْعُ ابْنِ عُمَرَ يَدَهُ عَلَى مَقْعَدِ النَّبِيِّ ﷺ، وَتَعْرِيفُ ابْنِ عَبَّاسٍ بِالْبَصْرَةِ، وَعَمْرِو بْنِ زاذان بِالْكُوفَةِ؛ فإِنَّ هَذَا لَمَّا لَمْ يَكُن مِمَّا يَفْعَلُهُ سَائِرُ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يَكُن النَّبِيُّ ﷺ شَرَعَهُ لِأُمَّتِهِ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يُقَالَ هَذَا سُنَّةٌ مُسْتَحَبَّةٌ؛ بَلْ غَايَتُهُ أَنْ يُقَالَ: هَذَا مِمَّا سَاغَ فِيهِ اجْتِهَادُ الصَّحَابَةِ، أَو مِمَّا لَا يُنْكَرُ عَلَى فَاعِلِهِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَسُوغُ فِيهِ الاِجْتِهَادُ، لَا لِأَنَّهُ سُنَّةٌ مُسْتَحَبَّةٌ سَنَّهَا النَّبِيُّ ﷺ لِأُمَّتِهِ، أَو يُقَالُ فِي التَّعْرِيفِ: إنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ أَحْيَانًا لِعَارِض إذَا لَمْ يُجْعَلْ سُنَّةً رَاتِبَةً.

1 / 165