158

Proximate Fatwas of Ibn Taymiyyah

تقريب فتاوى ابن تيمية

Maison d'édition

دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع

Numéro d'édition

الأولى

Année de publication

١٤٤١ هـ

Lieu d'édition

السعودية

Genres

وَالْوُضُوءُ الثَّابِتُ عَنْهُ ﷺ الَّذِي فِي "الصَّحِيحَيْنِ" وَغَيْرِهِمَا مِن غَيْرِ وَجْهٍ لَيْسَ فِيهِ أَخْذُ مَاءٍ جَدِيدٍ لِلْأُذُنَيْنِ، وَلَا غَسْلُ مَا زَادَ عَلَى الْمَرْفِقَيْنِ وَالْكَعْبَيْنِ، وَلَا مَسْحُ الْعُنُقِ، وَلَا قَالَ النَبِيُّ ﷺ: "مَن اسْتَطَاعَ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ"؛ بَل هَذَا مِن كَلَامِ أَبِي هُرَيْرَةَ تجاءَ مُدْرَجًا فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ، وَإِنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "إِنَّكُمْ تَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِن آثَارِ الْوُضُوءِ" (^١)، وَكَانَ ﷺ يَتَوَضَّأُ حَتَّى يَشْرَعَ فِي الْعَضُدِ وَالسَّاقِ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: "مَن اسْتَطَاعَ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ"، وَظَنَّ مَن ظَنَّ أَنَّ غَسْلَ الْعَضُدِ مِن إطَالَةِ الْغرَّةِ، وَهَذَا لَا مَعْنَى لَهُ؛ فَإِنَّ الْغُرَّةَ فِي الْوَجْهِ لَا فِي الْيَدِ وَالرِّجْلِ، وَإِنَّمَا فِي الْيَدِ وَالرِّجْلِ الْحَجْلَةُ، وَالْغُرَّةُ لَا يُمْكِنُ إطَالَتُهَا؛ فَاِنَّ الْوَجْهَ يُغْسَلُ كُلُّهُ، لَا يُغْسَل الرَّأسُ، وَلَا غرَّةَ فِي الرَّأسِ، وَالْحَجْلَةُ لَا يُسْتَحَبُّ إطَالَتُهَا، وَإِطَالَتُهَا مُثْلَةٌ. وَكَذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ كَانَ يَتَحَرَّى أَنْ يَسِيرَ مَوَاضِعَ سَيْرِ النَّبِيِّ ﷺ، وَيَنْزِلَ مَوَاضِعَ مَنْزِلِهِ، وَيَتَوَضَّأُ فِي السَّفَرِ حَيْثُ رَآهُ يَتَوَضَّأُ، وَيَصُبَّ فَضْلَ مَائِهِ عَلَى شَجَرَةٍ صَبَّ عَلَيْهَا، وَنَحْو ذَلِكَ مِمَّا اسْتَحَبَّهُ طَائِفَةٌ مِن الْعُلَمَاءِ وَرَأَوْهُ مُسْتَحَبًّا، وَلَمْ يَسْتَحِبَّ ذَلِكَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ؛ كَمَا لَمْ يَسْتَحِبَّهُ وَلَمْ يَفْعَلْهُ أَكَابِرُ الصَّحَابَةِ كَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَغَيْرِهِمْ، لَمْ يَفْعَلُوا مِثْل مَا فَعَلَ ابْنُ عُمَرَ. وَلَو رَأَوْهُ مُسْتَحَبًّا لَفَعَلُوهُ، كَمَا كَانُوا يَتَحَرُّوْنَ مُتَابَعَتَهُ وَالِاقْتِدَاءَ بِهِ. وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُتَابَعَةَ أَنْ يَفْعَلَ مِثْل مَا فَعَلَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي فَعَلَ؛ فَإِذَا فَعَلَ فِعْلًا عَلَى وَجْهِ الْعِبَادَةِ شُرِعَ لَنَا أنْ نَفْعَلَهُ عَلَى وَجْهِ الْعِبَادَةِ؛ وَإِذَا قَصَدَ تخصِيصَ مَكَانٍ أَو زَمَانٍ بِالْعِبَادَةِ خَصَّصْنَاهُ بِذَلِكَ. وَأَمَّا مَا فَعَلَهُ بِحُكْمِ الاِتِّفَاقِ وَلَمْ يَقْصِدْهُ؛ مِثْل أَنْ يَنْزِلَ بِمَكان وَيُصَلِّيَ فِيهِ لِكَوْنِهِ نَزَلَهُ لَا قَصْدًا لِتَخْصِيصِهِ بِهِ بِالصَّلَاةِ وَالنُّزُولِ فِيهِ، فَإِذا قَصَدنَا تَخْصِيصَ

(^١) رواه البخاري (١٣٦)، ومسلم (٢٤٦).

1 / 164