لابد لإجابة هذا السؤال أن نبين إجمالا هذا التأثير الذي سمي في تاريخ الأدب الألماني التأثير الشرقي. وددت أن أفصل في هذه المقدمة الكلام في هذا التأثير، ولكن المراجع الكثيرة التي يحتاج إليها في هذا البحث لم تتيسر في الهند، وقد بين پال هورن، مؤلف تاريخ آداب إيران، في مقال له مقدار ما كان گوته مدينا لشعراء الفرس، ولكن العدد المشتمل على هذا المقال من مجلة نارواندسود لم يمكن الحصول عليه في خزانة كتب في الهند ولا من ألمانيا، فلا مناص من أن أعتمد في كتابة هذه المقدمة على ما أذكر من دراستي السابقة، وعلى الرسالة المختصرة المفيدة البارعة التي كتبها في هذا الموضوع مستر شارلس ريمي.
كانت طبيعة گوته المتطلعة تميل منذ الحداثة نحو الأفكار الشرقية، وفي استراسبورج حيث كان يتعلم القانون لقي هردر ذا المكانة والصيت في الأدب الألماني. ويعترف گوته في سوانحه بما تركت صحبة هردر في نفسه.
لم يكن هردر يعرف الفارسية، ولكن لغلبة النزعة الأخلاقية عليه، كان لكتب سعدي أثر بليغ في نفسه، حتى ترجم بعض فصول گلستان إلى اللغة الألمانية. ولم يكن لحافظ الشيرازي هذه المكانة عنده، وهو يقول داعيا معاصريه: قد غنينا كثيرا على أسلوب حافظ، وقد وجب الآن أن نقتدي بسعدي، ولكن مع حب هردر الآداب الشرقية هذا الحب لا يعرف في شعره أو مؤلفاته الأخرى أثر من هذه الآداب، وكذلك كان شلر، معاصر گوته الثاني، بعيدا عن تأثير الشرقيين. وقد مات قبل ظهور التأثير الشرقي وينبغي ألا نغفل عن هذه المسألة: أن قصته «توران دخت» أخذت خطتها من قصة بنت سلطان الإقليم الرابع التي كتبها نظامي الكنجوي في «هفت پيكر» واستهلها بقوله:
گفت كز جمله ولايت روس
بود شهري بنيكوئي چو عروس
وسنة 1812 نشر فون همر ترجمة كاملة لديوان حافظ؛ وبهذه الترجمة ابتدأ التأثير الشرقي في آداب الألمان، وكان عمر گوته إذ ذاك خمسا وستين سنة، وكان هذا على حين بلغ انحطاط الألمان غايته في كل ناحية، لم تكن طبيعة گوته مهيأة للمشاركة عملا في الحركات السياسية في وطنه، فلما ضاق بالاضطراب الشائع في أوروبا، أخذت روحه القلقة المحلقة تلتمس عشا في فضاء الشرق الساكن الآمن.
وقد أثارت أناشيد حافظ هياجا كبيرا في أفكاره، فاختار آخر الأمر «للديوان الغربي» صورة متميزة ثابتة، ولكن ترجمة فون همر لم تكن مؤثرة في گوته فحسب، بل كانت مأخذا لخيالاته العجيبة الغربية، فيبدو نظمه أحيانا كأنه ترجمة حرة من شعر حافظ، وأحيانا تجد قوة تخيلة في مصرع واحد مهيعا جديدا تنير فيه مسائل في الحياة بالغة في الدقة والصعوبة.
يقول بيل شوسكي كاتب سوانح كو المعروف: كان گوته يرى صورته في نغمات بلبل شيراز، وكان يخطر له بين الحين والحين أن روحه لبست صورة حافظ فعاشت في بلاد الشرق. فنحن نجده شبيه حافظ في ذلك السرور الأرضي، وتلك المحبة السماوية، وذلك اليسر، وذلك العمق، وذلك الغليان والتوقد، وتلك السعة في المذهب، وهذا النور القلبي، وذلك التحرر من الرسوم والقيود. بل في كل أمر حافظ لسان الغيب وترجمان الأسرار وكذلك گوته. ولحافظ عالم من المعاني في ألفاظ بسيطة في ظاهرها، وكذلك في طريقة گوته المطبوعة تتجلى الحقائق والأسرار وكلاهما نال إعجاب الأمير والصعلوك، كلاهما أثر في فاتحي عصره العظام «يعني حافظ في تيمور وگوته في نبوليون،
1
وكلاهما في عصر اضطراب عام وخراب، حافظ على السكون والطمأنينة في قلبه مبتهجا بالمضي في ترنمه القديم.
Page inconnue