الَّذين آمنُوا لاترفعوا أَصْوَاتكُم فَوق صَوت النَّبِي وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بالْقَوْل كجهر بَعْضكُم لبَعض أَن تحبط أَعمالكُم وَأَنْتُم لَا تشعرون﴾ (١) كَانَ ثَابت بن قيس بن الشماس ﵁ رفيع الصَّوْت، فَقَالَ: أَنا الَّذِي كنت أرفع صوتي على رَسُول الله ﷺ أَنا من أهل النَّار حَبط عَمَلي وَجلسَ فِي أَهله حَزينًا يبكي. فَفَقدهُ رَسُول الله ﷺ فَقَالَ رجل: يارسول الله أَنا أعلم لَك علمه فَأَتَاهُ فَوَجَدَهُ فِي بَيته منكّسًا رَأسه فَقَالَ: مَا شَأْنك. فَقَالَ: ثَابت ﵁: أنزلت هَذِه الْآيَة وَلَقَد علمْتُم أَنِّي من أرفعكم صَوتا على رَسُول الله ﷺ فَأَنا من أهل النَّار فَأتى الرجل النَّبِي ﷺ فَأخْبرهُ فَقَالَ النَّبِي ﷺ: «اذْهَبْ إِلَيْهِ فَقل لَهُ: إِنَّك لست من أهل النَّار وَلَكِن من أهل الْجنَّة» . (٢)
أما عمر بن الْخطاب ﵁ وَكَانَ جَهورِي الصَّوْت أَيْضا فَإِنَّهُ لما نزلت صَار إِذا خَاطب النَّبِي ﷺ يهمس همسًا خشيَة أَن يحبط عمله. يَقُول ابْن الزبير ﵄: «فَمَا كَانَ عمر ﵁ يُسمِع رَسُول الله ﷺ بعد هَذِه الْآيَة حَتَّى يَسْتَفْهِمهُ» (٣) حَقًا لقد كَانَ الصَّحَابَة ﵃ جيلًا قرآنيًا فريدًا ترى أحدهم كَأَنَّهُ مصحف يمشي على الأَرْض يتغلب أحدهم على مشاعره وَيُخَالف هوى نَفسه ليستجيب لِلْقُرْآنِ ويتمثل لِلْقُرْآنِ، فَهَذَا أَبُو بكر ﵁ لما وَقع من مسطح بن أَثَاثَة - وَهُوَ ابْن خَالَة أَبى بكر - مَا وَقع من الْكَلَام فِي عَائِشَة ﵂ فِي
(١) سُورَة الحجرات آيَة (١) .
(٢) أخرجه البُخَارِيّ فِي صَحِيحه ك: التَّفْسِير ب: لاترفعوا أَصْوَاتكُم فَوق صَوت النَّبِي (٨/٥٩٠) وَمُسلم ك: الْإِيمَان ب: مَخَافَة الْمُؤمن أَن يحبط عمله (١/١١٠) وَلِلْحَدِيثِ رِوَايَات فِي غير الصَّحِيحَيْنِ ذكرهَا ابْن كثير فِي التَّفْسِير (٤/٢٦٣) تَفْسِير سُورَة الحجرات.
(٣) صَحِيح البُخَارِيّ الْموضع السَّابِق (٨/٥٩٠) .