ما يفتح عليك في مصر، وإنما يفتح عليك في مكة (١٢ ب) فاقصدها فقد آن لك وقت الفتح. فعلمت أنّ الرجل من أولياء الله تعالى، وأنه يتستر بالمعيشة واظهار الجهل بترتيب الوضوء فجلست بين يديه وقلت له: يا سيدي وأين أنا وأين مكة ولا أجد ركبا ولا رفقة في غير أشهر الحج؟ فنظر إليّ وأشار [بيده] (١) وقال: هذه مكة أمامك، فنظرت معه فرأيت مكة - شرفها الله تعالى - فطلبتها، وتركته، فلم تبرح أمامي إلى أن دخلتها في ذلك الوقت، وجاءني الفتح حين دخلتها وترادف (٢) ولم ينقطع. قلت (٣) والى هذا أشار ﵀ في قصيدته الدالية (٤) بقوله: [الخفيف]
يا سميري (٥) روّح بمكّة روحي ... شاديا إن رغبت من إسعادي
كان فيها أنسي ومعراج قدسي ... ومقامي المقام والفتح بادي
قال: ثم شرعت (٦) في السياحة في أوديتها وجبالها، وكنت أستأنس فيها بالوحوش ليلا ونهارا، قلت (٧) والى هذا أشار ﵁ بقوله في القصيدة التائية (٨): [الطويل]
وجنبني حبيك وصل معاشري ... وحببنّي ما عشت قطع عشيرتي
وأبعدني عن أربعي بعد أربع ... شبابي وعقلي وارتياحي وصحتي
فلي بعد أوطاني سكون الى الفلا ... وبالوحش أنسي إذ من الإنس وحشتي
قال: وأقمت بواد كان بينه وبين مكة عشرة أيام للراكب المجدّ، وكنت آتي منه كل يوم وليلة وأصلي في الحرم الشريف الصلوات الخمس، ومعي سبع عظيم الخلقة يصحبني في ذهابي وإيابي وينخّ لي كما ينخّ الجمل ويقول: يا سيدي (١٣ أ) اركب فما ركبته قط. ثم بعد
_________
(١) التكملة من ديوان ابن الفارض ١/ ٥.
(٢) تتابع، لسان العرب ٩/ ١١٥ مادة ردف.
(٣) القول هذا لعلي سبط، جامع نسخة ديوان ابن الفارض، أنظر ديوان ابن الفارض ١/ ٥.
(٤) انظر ديوان ابن الفارض ٢/ ٩٥.
(٥) من الترويح اي إعطاء الراحة، أنظر المصدر السابق.
(٦) في الأصل: سرعت، التصويب من المصدر السابق ١/ ٥.
(٧) القول هذا لعلي سبط جامع الديوان.
(٨) هذه هي قصيدة ابن الفارض التائية الصغرى التي مطلعها: نعم بالصبا قلبي صبا لاحبتي. أنظر تفسير معاني الأبيات الصوفية في ديوانه ١/ ١٦٧.
1 / 68