82

Nur

النور لعثمان الأصم

Genres

فإن قال: أفتقولون: إن الله فعله وصنعه؟

قيل له: لا نطلق بذلك ألا ترى أنا نقول: إن جهنم قذرة. ولا نقول: إن الله صنع الأقذار. ويقال: خلقها؛ لأن خلقها اسم تعظيم، في كل شيء. وصنع ودبر الأقذار والقبائح تهجين. فنفينا عن الله تعالى كل إضافة تهجين. ألا ترى أنا نقول: إن الله يوجد كل شيء ولا نقول: إن الله يوجد الحر والبرد، والأذى والمكره لأن جملة القول: إن الله يوجد الإشياء، يوجد العلم بالأشياء والإحاطة بها.

وإن قال: أتقولون: إن العبد فعل الكفر؟

قلنا له: نعم. على معنى أنه كفر.

فإن قال: أفتقولون: إن العبد فعل خلق الله؟

قيل له: لا؛ لأن ذلك يوهم أنه خلقه.

فإن قال: متى خلق الله تعالى الفعل؟

قيل له: في حال ما يكسبه، لا قبل ذلك، ولا بعد.

فإن قال: أفيجوز أن يخلقه الله، ولا يكسبه العبد، أو يكسبه العبد، ولا يخلقه الله؟

قيل له: لا يجوز أن يكسبه العبد، ولم يخلقه الله؛ لأن في ذلك إيجاد الفعل كان، بعد أن لم يكن، ولم يخلقه الله؛ لأن ذلك محال أن يكون محدثا وقع وليس الله هو المحدث له، كما يستحيل أن يكون مملوكا ومربوبا في العالم، لم يملكه الله. ولا يكون ربه.

قال المسلمون: إن الله تعالى خلق الطاعة والمعصية وقدرهما، وقضاهما مع الفعل، لا من قبل، ولا من بعد. فليس لله شريك، فيما قضى وقدر. ولم يؤت العبد، من قبل خلق الله وقدره وقضائه. ولكن أوتي من قبل اكتسابه للمعصية، ومخالفته الأمر، وإيجاد الحجة عليه. ولم يزل الله تعالى مريدا لذلك. فالطاعة: إرادة رضى ومحبة وعلم ومشيئة. والمعصية: إرادة علم ومشيئة، لا إرادة أمر، ولا رضى، ولا محبة.

والدليل على خلق الأقوال، من كتاب الله -عز وجل-: قوله تعالى: { وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليهم بذات الصدور. ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير } .

يقول: كيف لا أعلم القول الذي يخفون، وأنا خلقته؟!

Page 82