هذه الصفوف التي بدأت «قائمة» للصلاة، ثم تابعت «ماشية» إلى المعارك الخيّرة العادلة المنصورة، ثم «قعدت» في صدور مجالس الحكم والعلم على رؤوس الممالك والإمارات وكراسي المدارس والجامعات، فكان من أهلها أعدل حاكم وأفضل معلم. ثم تعبت «فنامت»!
لقد مرّ بها ليلٌ طويل بعد ذلك النهار الحافل بالأعمال الجِسام، ولكنّ ليلَها بدأ يتصرّم وفجرها قد لاح؛ لقد طلع الآن الفجر الأول الذي يصحو فيه النائم، ولكن لا تصحّ فيه الصلاة إلا أن تكون صلاة التهجد قبل الفجر. لقد ظهرت خيوط من النور تمتد من الأفق إلى الأعالي، وسيأتي بعدها الفجر الصادق ويمتلئ الأفق بالضوء وينادي المنادي «الصلاة خير من النوم»، فتنهض لتجدد المسيرة الخيّرة ولتكتب في تاريخ المفاخر والأمجاد صفحة كالصفحة التي كتبها الأجداد. لقد كنا في الزمن الأول كما قال شوقي في الزمن الأخير:
وإذا أتَوْنا بالصّفوفِ كثيرةً ... جئنا بصَفٍّ واحدٍ لن يُكسَرا
صف واحد لا صفوف شتى، صف واحد له وجهة واحدة وله قائد واحد، هو سيد العرب، بل سيد العالم، بل خاتم الأنبياء رسول الله ﷺ، وله منهج واحد هو كتاب الله.
لقد كنا نيامًا فصحونا، فإذا شئتم أن تجعلوا هذه الصحوة صادقة مستمرّة لا صحوة عارضة نعود بعدها إلى المنام، وإذا صدقتم العزم على أن تجددوا المسيرة، فهذا هو الطريق.
* * *
1 / 39