ولقد طالما وقفت هذا الموقف ففكرت في الزمان وتفلسفت، وعدت إلى ماضيّ فحزنت وفكرت في المستقبل فأيِست، ثم رأيت ذلك باطلًا كله؛ كله باطل! لا الماضي يعود ولا الحاضر يدوم ولا المستقبل يأتي؛ تفنى اللَّذاذات وتذهب الأحزان، وتمر الأيام بنا في طريق القبر حتى نبلغه، فتكون خاتمة المطاف هذه الآلام التي نودّع بها الدنيا، والتي تنسينا كل لذة وكل متعة استمتعنا بها.
ويا ليت الموت هو الغاية! إن الموت بداية لذّة لا آخر لها أو ألم ما له من نهاية.
فأين نحن، وفي أي واد من أودية الضلال نتخبط؟ اللهمّ إني أتوجه إليك في هذه الساعة لتصلني بك وتدلّني على الطريق إليك حتى أعرفك، فلقد عرفت أن كل شيء سواك باطل.
ما الحياة؟ ما هذه الفترة القصيرة من الزمان السّرمدي؟ وما الزمان في جنب الله الباقي؟ وما الجمال الدنيوي؟ وما الحب الأرضي؟ وما العلم؟ أليس العلم كله إدراك سطر واحد من سفر الوجود وكشف حفنة واحدة من رمال الصحراء؟ فما أجهل العلم إذن بالوجود! وما أحمق العلم حين يرفع رأسه ليتكلم في الموجِد وقد خرس عمّا أوجد، ولينظر إلى الخالق الباقي وقد عمي عن المخلوقات الفانية! وهل عرف العلم من نحن ومن أين جئنا وإلى أين نسير؟
* * *
وفكرت في نفسي، وقديمًا قال سقراط وكُتبت مقولته على باب المعبد في أثينا: «أيها الإنسان اعرف نفسك»، وجاء في الأثر:
1 / 30