Lumière et Papillon
النور والفراشة: رؤية جوته للإسلام وللأدبين العربي والفارسي مع النص الكامل للديوان الشرقي
Genres
وتكرار كلمات كالأمس واليوم والغد موجود لدى الشاعرين، بل إن الشاعر الألماني يتفق مع الشاعر العربي اتفاقا حرفيا في التعلم من اليوم أو العلم به، حتى لنستطيع أن نقول إن جوته قد كتب الأبيات الأولى وهو يفكر تفكيرا واضحا في أبيات زهير. ولكن الشاعرين لا يلبثان أن يختلفا وتتفرق بهما السبل، وهذا أمر طبيعي كما قلت. فكلاهما يتعلم من الأمس واليوم، وكلاهما يسأل عن الغد المجهول، وكيف ينبغي أن يقف الإنسان منه. والشاعر العربي يجهل كل شيء عن هذا الغد، ويؤكد في مرارة واستسلام أنه عن علم ما في غد عم، أما الشاعر الألماني الذي عاش حياته يؤكد قيمة اللحظة الحاضرة ويمجد من يملئونها بالنشاط والعمل المثمر (وفاوست كلها تدور حول هذا المعنى!) فلا يلبث أن يخالف صاحبه العربي، فنراه يعبر من جديد عن حبه واحترامه للحياة وإيمانه بأن من ينصف الحاضر ويؤدي واجبه فيه فلن يظلمه الغد أبدا ولن يخزيه. وهكذا ينتهي جوته نهاية تتفق مع تجربة حياته وروح أدبه، في حين انتهى زهير نهاية تتفق كذلك مع تجاربه وروح عصره المضطرب.
هنا أتوقف عن هذه الموازنة لأكرر ما سبق أن أكدته من إيماني بسر الخلق والإبداع، فالمقارنات والمقابلات قد تلقي الضوء على هذا الأثر الأدبي أو ذاك، ولكنها لن تستطيع أن تكشف النقاب عن سره الدفين. وربما كانت قوة هذا السر وغموضه في أنه يخاطبنا بوصفنا بشرا نتعذب نفس العذاب ونحس نفس المصير، أعني أن يعلو فوق اختلاف القوميات واللغات وأشكال التعبير. ولو سأل سائل: ما الفائدة من المقارنات السابقة لأجبته: ليس القصد منها أن نتباهى بفضل أجدادنا على غيرنا، فهذا شيء لا يلجأ إليه إلا المفلسون الذين ينقبون في ماضيهم الخصيب عن شيء يبرر حاضرهم الجديب، وأرجو ألا نكون قد وصلنا إلى هذه الحال! إنما القصد أن نجرب كيف تعيش الفكرة الواحدة في ضميرين وعند القصد أن شاعرين يختلف كل منهما في ثقافته ومزاجه ولغته وجنسه، فربما نتعلم من هذا كيف ننظر إلى لحظات الخلق والإبداع نظرة الاحترام والإجلال، كما نتعلم أن الفن الحقيقي هو الشيء الذي يستطيع أن يوحد بين البشر، ويجمعهم على التفاهم والمحبة والاحترام والإنصاف. (1) جوته والإسلام
وأخيرا نسأل: ما علاقة جوته بالإسلام؟
والسؤال بديهي، فلا يمكن أن يكون الشاعر الألماني الأكبر قد عرف شيئا عن الأدب العربي دون أن يعرف شيئا عن الإسلام أو يتخذ موقفا منه، أضف إلى هذا أن اللغة العربية قد شرفت بالإسلام الذي جعل منها لغة حضارية انتشرت في آفاق الأرض، ونسخت غيرها من اللغات القديمة، وفتحت لها ملايين العقول والأفئدة. ومستحيل أن يكون الشاعر قد اهتم بالأدب العربي دون أن يكون قد اهتم بالإسلام، وسوف أقصر كلامي هنا على جانب واحد هو مدى تأثير الدين الإسلامي على أدبه.
الحق إن صلة جوته بالإسلام ونبيه الكريم
صلى الله عليه وسلم
بدأت منذ شبابه المبكر وصاحبته في كهولته وشيخوخته، ونستطيع أن نقول بوجه عام إنه كان يشعر بتعاطف عميق مع الإسلام أكثر من غيره من الديانات غير المسيحية.
فهو في الرابعة والعشرين من عمره يؤلف أغنية تمجد الرسول
صلى الله عليه وسلم
وتصوره في صورة نهر رائع متدفق، وهو في السبعين من عمره يعترف صراحة بأنه يفكر منذ زمن طويل في أن يحتفي في خشوع بتلك الليلة المقدسة التي نزل فيها القرآن على النبي
Page inconnue