وأهدى أبو أسامة الكاتب في يوم نوروز إلى بعض إخوانه سهمًا ودينارًا ودرهمًا، ووردة، وكتب إليه:
لا زلتَ كالوردِ نضيرَ الميسمِ ... ونافذًا مثل نفوذِ الأسهم
في عزِّ دينارٍ ونجح درهمِ
ولشمس المعالي في الرقيق من الشعر قوله:
ما ضرَّهم لو أسعدوا أو أرفقوا ... وتعمَّدوا لصنيعِ ما هو أليقُ
ما كنتُ أملكُ غيرَ نفسٍ حرَّةٍ ... رُهنتْ وأحسبُ أنَّ رهنيَ يغلقُ
أنا معدنُ الياقوتِ جسمي أصفرٌ ... ومدامعي حمرٌ وقلبيَ أزرق
وهذا البيت ينظر إلى قول محمد وكيع في فحواه دون نجواه، ولفظه دون معناه، وهو:
جوهري الأوصافِ يقصرُ عنه ... كلُّ وصفٍ وكلُّ ذهنٍ دقيق
شاربٌ من زبرجدٍ وثنايا ... لؤلؤٍ فوقها فمٌ من عقيق
ولأبي العباس عبد الله بن المعتز بالله في هذا النوع من الأبيات:
كأنَّ عذاريهِ على قمرٍ على ... قضيبٍ على دعصٍ رطيب الثَّرى ندي
تبسَّمَ إذا ما زحتهُ فكأنَّما ... تكشَّف دُرٌّ عن حجاب زبرجد
وقال الشريف العقيلي:
ومعذرينَ كأنَّ نبتَ خدودهم ... أقلامُ مسكٍ تستمدُّ خلوقا
قرنوا البنفسجَ بالشَّقيق ونظَّموا ... تحت الزبرجد لؤلؤًا وعقيقا
فهمُ الذين إذا الخليُّ رآهم ... وجدَ الهوى بهم إليه طريقا
وما أملح ما قال كشاجم:
وعذَّبني قضيبٌ في كثيبٍ ... تشارك فيه لينٌ واندماج
أغارُ إذا دنت من فيهِ كأسٌ ... على درٍّ يقبّلهُ زجاج
وشعر شمس المعالي يضعف عن نثره، ولكن الشيء يدخل في شفاعة غيره.
ومن الحسن في وصف الحسن قول ابن المعتز بالله:
ليلٌ وبدرٌ وغصنُ ... شعرٌ ووجهٌ وقدُّ
خمرٌ ودرٌّ وورد ... ريقٌ وثغرٌ وخدُّ
وقال بعض الظرفاء:
شادنٌ خدُّهُ وعين ... اهُ وردي ونرجسي
إن يبجد لي بخمرِ في ... هِ فقد تمَّ مجلسي
وقال كشاجم:
أيا نشوانُ من خمرٍ بفيه ... متى تصحو وريقك خندريس
أرى بك ما أراه بذي انتشاءٍ ... ألحَّ عليه بالكأس الجليس
تورَّدُ وجنةٍ وفتور طرفٍ ... تمِّرضه وأعطافٌ تميس
وقال بعض أهل العصر، وهو أبو الفتح عثمان بن جني النحوي:
غزالٌ غيرُ وحشيٍّ ... حكى الوحشيُّ مقلته
رآه الوردُ يجني الور ... دَ فاستكساه حلَّته
وشمَّ بأنفهِ الرَّيحا ... نَ فاستهداهُ زهرته
وذاقت ريقه الصَّهبا ... ءُ فاختلستهُ نكهته
وقال ابن المعتز بالله:
قد صادَ قلبي قمرٌ ... يسحرُ منهُ النظرُ
بوجنةٍ كأنَّما ... يقدح منها الشَّررُ
وشاربٍ قد همَّ أو ... نمَّ عليه الشَّعر
ضعيفةٌ أجفانه ... والقلب منه حجر
كأنَّما مقلته ... من فعلهِ تعتذر
الحسن فيه كاملٌ ... وفي الورى مختصر
وقد قال ابن وكيع في المعنى الأخير من هذه الأبيات:
صوَّرهُ خالقنا جامعًا ... لكلِّ شيءٍ حسنٍ بارع
فكلُّ حسنٍ في جميع الورى ... مختصرٌ في ذلك الجامع
وقد قال ابن الرومي في مثل هذا المعنى:
لا شيءَ إلاّ وفيه أحسنه ... فالعينُ منهُ إليه تنتقل
فوائدُ العينٍِ فيه طارفةٌ ... كأنّما أخرياتُها الأُوَلُ
وقال ابن وكيع:
عشقت من لا ألامُ فيهِ وما ... يخلو من اللَّومِ كلُّ من عشقا
رأي الهوى في سواهُ مختلفٌ ... وأنتَ تلقاهُ فيه متفقا
فكلُّ قلبٍ إليه منصرفٌ ... كأنّما من جميعها خُلقا
ألم فيه بقول مخارق بن إبراهيم الموصلي: "كأنه خلق من كل قلب، فهو يغني كلًا بما يشتهيه".
وأخبرني بعض المصريين قال: كان ابن وكيع يهوى غلامًا نصرانيًا بتنيس، فلامه [فيه] بعض إخوانه وقال له: مكانك في العلم والأدب، وشرف الأصل والمركب [والمنصب] بحيث اشتهر في كل مكان، وظهر على كل لسان، وقد بلغت من الغرام بهذا الغلام إلى غاية تسوء وليك فيك، ويسر بها معاديك، فقال له: ويحك أرأيت من عليه لحيت، قال: لا، وأقبل الغلام وهما يتراجعان في الكلام وهو في صورة:
ليس فيها ما يقالُ لها ... كملتْ لو أنَّ ذا كملا
كلُّ جزءٍ من محاسنها ... كائنٌ من حسنهِ مثلا
1 / 8