للوعل باطن شطريها ومعظمها ... من عود سمراء صماء الأنابيب
تأنق القين في تزيينها فغدت ... تزهى بأحسن تفضيض وتذهيب
في وسطها مقلة منها تبين ما ... ترمي فما مقتل منها بمحجوب
فقمت والطير قد حم الحمام لها ... على سبيلي في عودي وتجريبي
حتى إذا كحلت بالطين مقلتها ... قدت عليهن حتفًا [جد] مصبوب
فرحت جذلان لم تكدر مشاربي لذاتي ولم تلق آمالي بتخييب
وراح صحبي من صيدي وشكرهم ... وقف على ما اجتنوا من حسن مصحوب
قطعة من رسالة لأبي إسحاق الصابئ في قوس البندق: أقبلت رفقة [من] الرماة، قد برزت قبل الذرور والشروق، وشمرت عن الأذرع والسوق، متقلدين خرائط، شاكلت السيوف بحمائلها ونياطها، وناسبتها في آثارها ونكايتها، تحمل من البندق الموزون المفتول الملمون، ما هو في الصحة والاستدارة كاللؤلؤ المنظوم، كأنما خرط في الجهر، فجاء كفتات الفهر، وقد اختير طينه، وأحكم عجينه، فهو كالكافور المصاعد في اللمس والمنظر، وكالعنبر الأذفر، في المشم والمخبر، مأخوذ من خير مواطنه، مجلوب من أطيب معادنه، كافل بأكف حامليه، محقق لآمال آمليه، ضامن لحمام الحمام، متناول لها من ابعد المرام، يعرج إليها وهو سم ناقع، ويهبط إليهم وهو رزق نافع، وبأيديهم قسي مكسوة بأغشية السندس، مشتملة منها بأفخر ملبس، مثل الكماة في جواشنها ودروعها، والجياد في جلالها وقطوعها، حتى إذا جردت من تلك المطارف، وانتضيت من تلك الملاحف، ورأيت منها مناظر معجبة أنيقة، وقدودًا مخطفة رشيقة، صليبة المكاسر والمعاجم، نجيبة المنابت والمناجم، خطية الانتماء والمناسب سمهرية الاعتزاء والمناصب، تركبت من شظايا الرماح الداعسة، وقرون الأوعال الناخسة، فحازت الشرف من طرفيها، واحتوت عليه بكلتا يديها، وقد تحنت تحني المشيخة النساك، وصالت صيال الفتية الفتاك، طواهرها صفر وارسة، ودواخلها سود دامسة، كأن شمس أصيل طلعت على متونها، أو جنح ليل اعتكر في بطونها، أو زعفرانًا جرى في مناكبها، أو غالية جمدت على ترائبها، أو هي قضبان فضة ذهب شطرها وأحرق الشطر، أو حيات رمل اعتنق السود منها الصفر، فملا توسطوا تلك الروضة، وانتشرت على أكناف تلك الغيضة، وثبتت للرمي أقدامهم، وشخصت للطير أبصارهم، أوتروها بكل وتر [فوق سهمه منه وهو مفارق للسهم وخارج عنه] مضاعف عليها من وترين، كأنه رمح ذو جسدين، أو عناق ضم مجتمعين، في وسطه [عين] كشرجة كيس مختوم، أو سرة بطن خميص مهضوم، محولة عن المحاذاة، مزورة عن الموازاة، كأنها متحاذر ينظر شزرًا، أو مصغ يستمع سرًا، تروع قلوب الطير بالإنباض، وتصيب منها مواقع الأغراض، فلم يزل القوم يرمون ويضيبون، وينجحون ولا يخيبون، حتى خلت من البندق خرائطهم، وامتلأت من الصيد حقائبهم، فكم من أفرخ زغب أيتموها فضاعت، ومن آباء لها وأمهات استجابوها فأطاعت، وقد انقادت نوافرها صغرًا، واقتسرت أدانيها قسرًا، وكسرت أجنحتها وجأجيها، واستطارت في الجو قوادمها وخوافيها، فأصبحت بين عاثر لا ينهض من عثاره، ومهيض وحضر فرأيت كبشًا متقادم الميلاد، من نتاج قوم عاد، قد أفنته الدهور، وتعاقبت عليه العصور، فظننته أحد الزوجين اللذين حملهما نوح في سفينته، وحفظ بهما جنس الغنم لذريته، صغر عن الكبر، ولطف عن القدم، فبانت دمامته، وتقاصرت قامته، وعاد ناحلًا ضئيلًا، باليًا هزيلًا، بادي السقام، عاري العظام، جامعًا للمعايب، مشتملًا على المثالب، يعجب العاقل من حلول الحياة به، وتأتي الحركة له، لأنه عظم مجلد، وصوف ملبد، ولا تجد فوق عظامه سلبًا، ولا تلقى يدك منه غلا خشبا، لو ألقي إلى السبع لأباه، ولو طرح للذئب لعافه وقلاه، قد طال للكلأ فقده، وبعد بالمرعى عهده، لم ير القت إلا نائمًا، ولا عرف الشعير إلا حالمًا.
1 / 50