فإن تحقيق هذه الكلمة يقتضي تفويض الأمور إِلَى الله، وأنه لا يكون إلا ما شاء والإيمان بذلك يذهب الهم والغم، وقد وصى النبي ﷺ رجلًا فَقَالَ: "لا تتهم الله في شيء قضاه لك" (١).
فإذا نظر المؤمن بالقضاء والقدر في (حكم) (*) الله ورحمته، وأنه غير متهم في قضائه دعاه ذلك إِلَى الرضا بالقضاء، وقال الله ﷿: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ﴾ [التغابن: ١١] قال علقمة في هذه الآية: هي المصيبة تصيب الرجل فيعلم أنها من عند الله فيسلّم لها ويرضى.
وفي الحديث الصحيح (٢) عن النبي ﷺ قال: "لَا يَقْضِي اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِ من قَضَاء إِلَّا كَانَ خَيْرًا لَهُ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ كَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ فَصَبَرَ كَانَ خَيْرًا لَهُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ".
وقد دلّ القرآن عَلَى مثل هذا المعنى في قوله تعالى: ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ * قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ﴾ [التوبة: ٥١، ٥٢] فأخبر أنَّه لن يصيبهم إلا ما كتب لهم، فدلّ عَلَى أنَّه لهم بكل حال سواء كان مما يلائم أو لا يلائم، وأخبر أنَّه تعالى مولاهم، ومن تولاه الله لم يخذله بل هو يتولى مصالحه، قال تعالى: ﴿وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾ [الأنفال: ٤٠] ثم عقب ذلك بقوله: ﴿قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ﴾ [التوبة: ٥٢] يعني إما النصر والظفر، وإما الشهادة، وأيّهما كان فهو حسن.
وخرَّج الترمذي (٣) من حديث أنس عن النبي ﷺ: "إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ رَضِي فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ".
_________
(١) أخرجه أحمد (٥/ ٣١٩).
وذكره الهيثمي في المجمع (١/ ٥٩) وقال: رواه أحمد، وفي إسناده ابن لهيعة.
(*) حكمة: "نسخة".
(٢) أخرجه مسلم (٢٩٩٩).
(٣) برقم (٢٣٩٦) وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه.
3 / 146