قوله ﷺ: "تعرف إِلَى الله في الرخاء، يعرفك في الشدة"
المعنى: أن العبد إذا اتقى الله وحفظ حدوده وراعى حقوقه في حال رخائه وصحته، فقد تعرف بذلك إِلَى الله وكان بينه وبينه معرفة، فعرفه ربه في الشدة وعرف له عمله في الرخاء، فنجاه من الشدائد بتلك المعرفة.
وهذه أيضًا معرفة خاصة تقتضي القرب من الله ﷿، ومحبته لعبده، وإجابته لدعائه، وليس المراد بها المعرفة العامة فإن الله لا يخفى عليه حال أحد من خلقه، كما قال تعالى: ﴿هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ﴾ [النجم: ٣٢] وقال: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ﴾ [ق: ١٦].
وهذا التعرف الخاص هو المشار إِلَيْهِ في الحديث الإلهي.
"وَلاَ يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ -إلى أن قال-: وَلَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ" (١).
اجتمع الفضيل بشعوانة العابدة فسألها الدعاء، فقالت: يا فضيل، وما بينك وبينه؟ ما إن دعوته أجابك: فشهق الفضيل شهقة خرَّ مغشيًّا عليه.
وقال أبو جعفر السائح: أتى الحسن إِلَى حبيب أبي محمد هاربًا من الحَجَّاج، فَقَالَ: يا أبا محمد احفظني من الشرط، هم عَلَى إثري.
فَقَالَ: استحييت لك يا أبا سعيد، أليس بينك وبينه من الثقة ما تدعوه فيسترك من هؤلاء؟! ادخل البيت فدخل الشرط عَلَى إثره فلم يروه.
_________
(١) تقدم تخريجه.
3 / 115