أحب أن أسميها هدايا. - لتكن إذن هدايا. - كم أهديتني عن الأرض التي بعتها عنك؟ - ثلاثون جنيها عن الفدان. - ستكون الهدية في هذه الفدادين.
وقبل أن يكمل جملته دخلت بهيرة: أتعملان؟ - نعم. - إذن أترككم. - وهل هناك عمل يخفى عليك، تفضلي يا بهيرة هانم. - وهو كذلك.
وقال يحيى : لم تقل هدية الفدادين الباقية. - أقولها لك غدا في التليفون. - كنت على وشك قولها. - لم أكن أنوي أن أقول الرقم. - فماذا كنت تنوي أن تقول؟ - كنت سأقول إننا سنجعلها هدية واحدة لكل الأرض مرة واحدة. - لا بأس. - ولن آخذ شيئا إلا بعد أن تطمئن إلى قبول التصرف من الجهات المختصة. - موافق. •••
حين دق جرس التليفون ردت بهيرة: بهيرة هانم؟ - أنا. - أنا حامد عبد البديع. - مرحبا يا أستاذ. - أنا سعيد الحظ جدا. - كذا! - وهل في هذا شك؟ - شك كبير. - لماذا لا قدر الله؟ - بالأمس أنهيت الحديث بمجرد دخولي. - وهل تهمك هذه الأعمال؟ - أليست أعمال زوجي؟ يا أستاذ حامد زوجي لا يخفي عني شيئا أبدا. - وهل معقول أن شخصا له زوجة مثلك يخفي عنها شيئا؟ - أهذا رأيك؟ - هذا جزء من رأيي يا أفندم. - الجزء الأول؟ - لا، هذا الجزء العشرون والأخير. - وماذا عن الجزء الأول؟ - الجزء الأول خاص بالجمال والأنوثة. - كفى كفى! - حضرتك التي سألت يا أفندم. - من معك؟ - وهل معقول أن يكون أحد معي وأنا أتكلم عن هذه الأجزاء؟ - متى سنراك؟ - أمرك. - الليلة. - تحت أمرك. - يحيى بك موجود؟ - أيهمك وجوده؟ - المهم وجود حضرتك. - الساعة السادسة اليوم.
الفصل التاسع عشر
ناهد فكري سيدة عجيبة في المجتمع المصري؛ إنها ليست من طبقة الأمراء، وأبوها ليس وزيرا ولا هو رئيس وزارة، إنما هو رجل عاش عمره يؤدي عمله كموظف في وزارة المالية.
وكان طريقه في الحياة يفرض عليه أن يعرف ذوي الشأن في السياسة والمجتمع، ولكنه هو نفسه لم يكن يحب أن يخوض المجتمع أو يدعي السياسة. هو رجل موظف، وهو موظف أمين شريف لم يسمع أحد عنه شيئا يشوب سمعته بسوء، وزوجته هي ابنة عمه وجدان هانم قرني، وقد كانت سيدة من خيرة السيدات، ليس لها في الحياة إلا زوجها وبيتها وابنتها ناهد وابنها سعيد، وكانت السيدة لا تترك سجادة الصلاة إلا لتقوم بشئون بيتها، وكان من الطبيعي أن يرسل ابنه وابنته إلى المدرسة، فقد كان من هذا الجيل الذي اعتبر التعليم ضرورة لا غنى عنها للفتى أو الفتاة على السواء.
وأتم سعيد الدراسة، واشترى له أبوه سيارة؛ فإن موارده لم تكن قائمة على مرتب الوظيفة، وإنما كانت الوظيفة لمجرد أن يكون موظفا، فقد كان يجل نفسه أن يكون بلا عمل مهما يكن غناه؛ هذا الغنى الفاحش الذي تركه له والده.
لقد كان فكري الزيني يملك ثماني عمارات إلى جانب تسع قطع أرض فضاء، جميعها صالح للبناء، وكانت كل قطعة منها لا تقل عن العشرين فدانا ويصل بعضها إلى خمسين فدانا. ولكن فكري لا يتصور أن تكون وظيفته في الحياة مالكا فقط.
فقد كان يرفض أن يرود المجتمعات، ويرفض كما ذكرت لك أن يعمل بالسياسة، فإذا خلت حياة الغني من مجتمع أو سياسة أصبحت فراغا لا يطيقه أحد.
Page inconnue