فقال: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) [العلق: ١]، وقال: (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) [الحاقة: ٥٢] وقال نوح ﵇: (بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا) [هود: ٤١] ليجعلها سنة لأمته في افتتاح الذبائح والطعام والشراب والكلام، وأن يذكرونه عند كل حركة وسكون، وإذا قاله العبد يسر الله تعالى ما بين يديه من السماء إلى الأرض وثبته وحرسه من وسواس الشيطان، واعتراض المعترضين وفساد المفسدين وكيد الحاسدين، وهي تحية من الله ﷿ خص بها نبيه، وجعله باللسان العربي ما لم يكن لسائر الأمم، إلا ما كان من سليمان، فلما وردت على العرب اضطروا إلى قبولها وتدوينها والإقرار بفضلها ولفظوا بها عند وجوب الشكر وطلب الصبر.
قال غير الخليل: هو أدب من آداب الدين، ومدح لله تعالى وتعظيم وشعار للمسلمين، وتبرك للمستأنف، وإقرار بالعبودية، واعتراف بالنعمة، واستعانة بالله ﷿ وعبادة له، مع ما فيه من حسن العبارة، ووضوح الدلالة، والإفصاح والبيان لما يستحقه الله من الأوصاف.
وفيه من البلاغة والاختصار، في موضعه بالحذف على شرائطه. إذ موضوع هذه الكلمة على كثرة التكرير، وطول الترديد، وفيه الاستغناء بالحال الدالة على العبارة عن ذكر أبدًا، لأن الحال بمنزلة الناطقة بذلك، وفيه من البلاغة تقديم الوصف بالرحمن تشبيهًا بالأسماء الأعلام.
مسألة:
ومما يسأل عنه من الإعراب أن يقال: ما موضع الباء من (بسم الله)؟
والجواب: أن العلماء اختلفوا في ذلك، فذهب عامة البصريين إلى أن موضع الباء رفع على تقدير مبتدأ محذوف تمثيله: ابتدائي بسم الله، فالباء على هذه متعلقة بالخبر المحذوف الذي قامت مقامه تقديره: ابتدائي كائن أو ثابت أو ما أشبه ذلك بسم الله، ثم حذفت هذا الخبر، وكان فيه ضمير فأفضى إلى موضع الباء، وهذا بمنزلة قولك: زيد في
1 / 103