يا فلان أوقفني موقف الموت. قال: فسقته إلى مقابلة العدو وهم منحدرون كالسيل تلوح أسلحتهم من تحت الغبار المنعقد عليهم. ثم قلت: يا سيدي هذا موقف الموت، وهذا العدو قد أقبل تحت هذه الغبرة المنعقدة، فدونك وما تريد. قال: فرفع طرفه إلى السماء، وأشخص ببصره، وحرك شفتيه طويلًا، ثم انبعث وأقدم على القتال ... ثم حال القتال بيننا والالتحام، وما عدت رأيته حتى فتح الله ونصر"١.
وأما عن إيثاره غيره على نفسه، مع فقره:
فيقول تلميذه البزار ﵀ عن ذلك: "كان ﵁ مع شدة تركه للدنيا، ورفضه لها، وفقره فيها، وتقلله منها، مؤثرًا بما عساه يجده منها، قليلًا كان أو كثيرًا، جليلًا أو حقيرًا، لا يحتقر القليل فيمنعه ذلك عن التصدق به، ولا الكثير فيصرفه النظر إليه عن الإسعاف به. فقد كان يتصدّق حتى إذا لم يجد شيئًا نزع بعض ثيابه المحتاج إليه فيصل به الفقير، وكان يستفضل من قوته القليل الرغيف والرغيفين فيؤثر بذلك على نفسه. وربّما خبّأها في كمّه. ويمضي ونحن معه لسماع الحديث، فيراه بعضنا وقد دفعه إلى فقير، مستخفينا، يحرص أن لا يراه أحد.. وكان إذا ورد عليه فقير وآثر المقام عنده يؤثره عند الأكل بأكثر قوته الذي جعل برسمه"٢.
وأما هيئته ولباسه:
فقد كان ﵁ متوسطًا في لباسه وهيئته، لا يلبس فاخر الثياب بحيث يرمق ويُمدّ النظر إليه، ولا أطمارًا أو ثياب غليظة تُشهر حال لابسها، ولا يُميّز عن عامة الناس بصفة خاصة يراه الناس فيها من عالم وعابد.
_________
١ العقود الدرية ص ١٧٧-١٧٨.
٢ الأعلام العلية ص ٥٠.
1 / 56