وقد بيَّن شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى - ذلك في كلمة رائعة قال فيها: "ولهذا كلّ طائفة كانت إلى النبوات أقرب، كانت أقلّ اختلافًا، وكلّما كثر بُعدها كثر اختلافها.
فالمتفلسفة لما كانوا أبعد من أهل الكلام عن النبوات، كانوا أكثر اختلافًا؛ فإنّ لهم من الاختلاف في الطبيعيّات والرياضيّات ما لا يكاد يحصيه إلا الله.
وأما اختلافهم في الإلهيات فأعظم.
والشيعة لما كانوا من أجهل الطوائف المنسوبين إلى الملة، كانوا أكثر اختلافًا من جميع الطوائف.
ثم المعتزلة أكثر اختلافًا من المثبتة للصفات والقدر.
ثم المثبتة المتكلمون فيهم من الاختلاف ما لا يوجد في أهل العلم بالسنة المحضة والحديث وأقوال السلف؛ فإنّ هؤلاء أبعد الطوائف عن الاختلاف في أصولهم؛ لأنهم أكثر اعتصامًا بالكتاب والسنّة من غيرهم. وبطريقتهم تنحلّ الإشكالات الواردة على طريقة غيرهم" ١.
وبيَّن ﵀ هذه الحقيقة الثابتة في موضع آخر بقوله: "وإذا تدبّر العاقل، وجد الطوائف كلّها كلّما كانت الطائفة إلى الله ورسوله أقرب، كانت بالقرآن والحديث أعرف وأعظم عناية، وإذا كانت عن الله وعن رسوله أبعد، كانت عنهما أنأى، حتى تجد في أئمة علماء هؤلاء من لا يميز بين القرآن وغيره، بل ربما ذكرت عنده آية فقال: لا نسلّم صحة الحديث. وربما قال لقوله ﵇: كذا.. وتكون آية من كتاب الله.
وقد بلغنا من ذلك عجائب، وما لم يبلغنا أكثر" ٢.
_________
١ شرح الأصفهانية ٢/٣٧٩.
٢ مجموع الفتاوى ٤/٩٦.
1 / 36