سبتة وفاس ومراكش للمناظرة عليه، وامتزجت دراسة الفقه بعلم الأصول، وظهر الاشتغال بعلم الكلام على طريقة أهل النظر والتأويل، ولم يكن قبل ذلك مما يشتغل به أحد، وعني كثيرون بعلم القراءات. هذا العلم الذي لم ينقطع الاشتغال به في المغرب في مختلف العصور، وهو من فروع علم التفسير. ونشط الاشتغال بعلم الحديث والرواية فكثرت الرحلات لسماعه والأخذ عن رجاله رغبة في علو الإسناد والضبط والإتقان. وكان علم التصوف مما له الشفوف في هذا العصر، ونظرة واحدة في كتاب التشوف لابن الزيات تظهر القارئ على كثرة من كان يأخذ بطريق القوم من رجال المغرب في هذا العصر. ولكن مما يلاحظ أن تصوفهم إنما كان رياضة ومجاهدة ولم يكن هذا التصوف الفلسفي الذي أنكره الفقهاء على الغزالي فأحرقوا كتابه، وعلى ابن العريف وابن برجان والميورقي فحملوا أمير المسلمين علي بن يوسف على إشخاصهم إلى مراكش، ثم ندم على ما فرط منه في حقهم بعد ذلك. ولم تكن العلوم الفلسفية والرياضية والطب قليلة الحظ من العناية بها والإقبال عليها؛ فقد رأينا كبير فلاسفة العصر أبا بكر بن باجة يحظى برعاية أحد أمراء المرابطين، ويسكن مدينة فاس. . . ولا شك أنه قد أخذت عنه علوم جمة في العاصمة العلمية. وكان أبو العلاء بن زهر الطبيب ممن حظي عند علي بن يوسف، وهو الذي أمر يجمع مجرباته بعد موته؛ فجمعت بمراكش وبسائر بلاد المغرب والأندلس وانتسخت في جمادى الآخرة سنة ٥٢٦. وكان الفيلسوف مالك بن وهيب وزيرًا له. كما سبقت الإشارة إلى ذلك، ولما أظهر المهدي بن تومرت دعوته بمراكش وأحضر بين يدي أمير المسلمين، كان ابن وهيب هذا هو الذي تولى مناظرته، لأنه كان قد تثقف بفنون العلم والمنطق والكلام في الشرق، فلم يقدر على مصاولته غير ابن وهيب. وقبل ضم الأندلس إلى المغرب كان بسبتة ابن مرانة، وهو من أعلم الناس بالحساب والفرائض والهندسة والفقه وله تلامذة وتآليف، ومن تلامذته ابن العربي الفرضي الحاسب، وهو من أهل بلده. وكان المعتمد بن عباد يقول: أشتهي أن يكون عندي من أهل سبتة ثلاثة نفر: ابن غازي الخطيب، وابن عطاء الكاتب، وابن مرانه الفرضي، ذكره ياقوت في معجم البلدان. ونظن أن غير سبتة من بقية مدن المغرب العلمية كانت مثلها في احتوائها على رجال من ذوي المعارف العامة، وإنما الآفة في ضياع أخبارها والإهمال الذي يمني به هذا الصنف من العلماء خاصة.
وظهر في هذا العصر أيضًا الاشتغال بالعلوم الأدبية واللسانية من نحو ولغة
1 / 72