Nizam al-Ithbat fi al-Fiqh al-Islami
نظام الإثبات في الفقه الإسلامي
Maison d'édition
مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
Genres
نظامُ الإثبات في الفِقهِ الإسلامي
القضاء من الأمور المعروفة والمقدرة عند الأمم. مهما تفاوتت هذه الأمم في درجات الحضارة رقيًا وانحطاط. ذلك لن الخصومة من لوازم الطبيعة البشرية، فلو لم يكن هناك رادع للقوي عن الضعيف لاختل النظام وعمت الفوضى، وإلى هذا أشار المولى ﷿ في الآية الكريمة: ﴿وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا﴾ (الحج:٤٠)، وفي قوله تعالى: ﴿وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْض﴾ (البقرة:٢٥١)، فلا غرابة إذن أن تحترم الشريعة الإسلامية القضاء، وتعنى به وترسى قواعده منذ أول نشأتها.
فبع الهجرة النبوية إلى المدينة المنورة، ومع بداية إرساء قواعد الدولة الإسلامية، وتأسيس أجهزتها وسلطاتها، أخذ القضاء مكانه في صدارة الأجهزة عنى الرسول الله ﷺ بتأسيسها، فجاء في الحلف الذي عقده النبي ﷺ بين المهاجرين وأهل المدينة من المسلمين وغيرهم، (وأنه كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث واشتجار يخاف فساده، فإن مرده إلى الله ﷿ وإلى محمد ﷺ ١ فكان هذا صريحًا في أن كل خصومة أو نزاع يرد إلى القاضي الأول محمد رسول الله ﷺ.
على أن بساطة ذلك المجتمع الناشىء لم تكن تستدعي في المدينة نفسها كثيرًا من القضاة، حيث لم تكن هماك خصومات كثيرة. ومع ذلك فقد كان ﷺ ينيب عنه بعض أصحابه حين يرسل بعضهم واليا إلى ناحية أعلنت خضوعها لحكومة الإسلام الأولى. فكان هؤلاء يحكمون بما علموه منه - ﷺ - وبما استفادوه من صحبته.
_________
١ سيرة ابن هشام ج ١ ص ٥٠٤ ط البابي الحلبي سنة ١٣٧٥ هـ
58 / 146