Féminisme et philosophie des sciences
النسوية وفلسفة العلم
Genres
أجل، العلم أقدم عهدا من التاريخ، بدأت إرهاصاته مع الإنسان البدائي في العصر الحجري، وألقيت أصوله في الحضارات الشرقية القديمة، وقام الإغريق بدورهم في صياغة الأسس النظرية، وشهد مرحلة توهج فردية في العصر السكندري، وجاء الدور العظيم الذي قامت به الحضارة الإسلامية ... ثم انبثق العصر الحديث ليغدو العلم الحديث مرحلة شديدة التميز والتألق من مراحل العلم، فقد أصبح نسقا نظاميا يقطع بخطى واثقة طريق التقدم بمعدلات متسارعة، ليمثل حالة فريدة من النجاح لا عهد للبشر بها من قبل، ويتصدر باقتدار وامتياز مسيرة المعرفة الإنسانية.
وفي هذا الإطار وفي أواسط القرن التاسع عشر - عين أوان نشأة وتنامي النسوية - نشأت فلسفة العلم كامتداد لسؤال الإبستمولوجيا العريق حول المعرفة وطبيعتها وحدودها ... إلخ، فأصبح سؤال الإبستمولوجيا المتمثل في فلسفة العلم هو السؤال حول عوامل هذا النجاح وحيثياته ومبرراته. وكانت الإجابة في المنهج التجريبي الذي هو منطق التفاعل بين العقل والحواس، أو بين النظرية والمعطيات التجريبية. هكذا اقتصرت فلسفة العلم على النظرة إلى العلم من الداخل، لتتمثل فقط في منهجه ومنطقه.
تجسد هذا في النزعة الاستقرائية
inductivism
التي سادت وعلا نجم فيلسوفها الشهير جون ستيوارت مل - نصير النسوية الكبير. إن النزعة الاستقرائية تعني النزعة الوضعية كتفسير مكتمل لظاهرة العلم، إنها تنظر إلى النسق العلمي من الداخل بوصفه نسقا واحدا ووحيدا، هو فاعلية تخصصية مستقلة محكومة فقط بالأدوات والإبستمولوجية كاللغة الرياضية والملاحظة والتجربة ودقة التنبؤ والتفسير ... ويغدو تاريخ العلم وأبعاده الاجتماعية والحضارية والقيمية، غير ذات صلة بالموضوع.
في القرن العشرين توطد هذا بفعل هيلمان الوضعية المنطقية
Logical Positivism ، وليس فينا من ينكر دورها في توطيد أسس فلسفة العلم، لكنها كانت فلسفة علمية تجريبية متطرفة، قصرت فلسفة العلم والفلسفة بأسرها على محض تحليلات منطقية للقضايا العلمية، مجردين الفلسفة من آفاقها الرحيبة وأبعادها العلمية، وشنوا حملة شعواء على ربيبة الفلسفة المدللة: الميتافيزيقا. فقد نزعت الوضعية إلى تجريبية مطلقة لا ترتبط بسواها، ونسق علمي فوق هامات الأنساق الأخرى، بل وعلى أشلائها، لا سيما أشلاء الميتافيزيقا. وأمعنت في تنزيه فلسفة العلم من التفسيرات الاجتماعية والتاريخية والقيمية، ورأت العناية بهذه التفسيرات قد تكون انشغالا بالعلم، ولكنها تخرج عن إطار فلسفته التي تتحدد فقط بالمعايير المنطقية. وفلسفة العلم في كل هذا تكون أقوى تمثيل لمثل الحداثة والتنوير.
وكان كارل بوبر
K. Popper (1902-1994) أهم فلاسفة العلم في النصف الثاني من القرن العشرين، نقل فلسفة العلم من منطق التبرير إلى منطق الكشف والتقدم، وحمل بوبر لواء العصيان والنقد الحاد للوضعية المنطقية وفتح الطريق للخروج من غلوائها، مؤكدا أن فلسفة العلم ليست محض تحليلات منطقية، بل هي فلسفة الفعالية الحية والهم المعرفي للإنسان، الميتافيزيقا أفقها الرحيب الذي يلهم بالفروض الخصيبة. العلم أكثر حيوية وإنسانية من أي منشط آخر، قضاياه قابلة دوما للتكذيب والتعديل والتطوير، يلعب الخيال الخلاق والعبقرية المبدعة دورا أساسيا في رسم قصة العلم المثيرة التي علمت الإنسان المعنى الحقيقي للتقدم. والتقدم العلمي لا تفسره إلا الثورة، بمعنى التغير الجذري لبدء دورة معرفية جديدة. وعلى الرغم من أن بوبر فسر هذا التقدم/الثورة فقط بقابلية العلم للاختبار التجريبي والتكذيب؛ أي ما زال مقتصرا على النظرة إلى العلم من الداخل وما زال حاملا لمثل التنوير، إلا أنه فتح الطريق لإمكانية الخروج منها.
فقد التقط توماس كون
Page inconnue