Femmes dans la vie de Dostoïevski
نساء في حياة دستويفسكي
Genres
كانت أنا جريجوريفنا دستويفسكايا (1846-1918م) تمثل طرازا خاصا من النساء الروسيات في النصف الثاني من القرن التاسع عشر؛ المثقفات، النشطات، المخلصات على نحو خيالي لعقائدهن إلى حد الافتتان.
كثيرا ما كررت أنا في سياق مذكراتها وصفها لنفسها بأنها «ابنة الستينيات ، التي ساندت حق النساء واستقلالهن»، وأنها تمثل الجيل الليبرالي وهلم جرا. كانت تعلن ذلك عادة في كثير من الفخار، وعلينا أن نعترف أن أنا جريجوريفنا لها كل الحق في ذلك. لقد كانت بطبعها تنتمي إلى «عصر الفكر الروسي الهادر»، وظلت حتى نهاية حياتها تحتفظ بالسمات الجذابة للنشاط الذي لا يكل، والإخلاص المتحمس للفكرة الملهمة، وفي حياتها كانت تنظر إلى الأمر باعتباره واجبا، ساعية دائما إلى تحويل هذه الفكرة إلى مأثرة.
وإذا كانت نيتوتشكا سنيتكينا تحلم في شبابها بدراسة العلوم الطبيعية والطب، فقد التحقت بأول صفوف نسائية لدراسة الاختزال من أجل أن تصبح امرأة مستقلة تحمل بعض العبء عن عائلتها الصغيرة، التي كانت تمتلك بعض البيوت في بطرسبورج.
فيما بعد، وبعد أن تزوجت من دستويفسكي، وجدت رسالتها في خدمة الكاتب الكبير، الذي قاسمته مصيره. لقد مرت كل مؤلفات دستويفسكي من «المقامر» وحتى «الإخوة كارامازوف» بين يديها، وقد اتضح أن معرفة زوجة الكاتب بالاختزال سهلت كثيرا من عمل دستويفسكي الفني، وغيرت من أساليبه ونظمه.
ما إن توفي دستويفسكي حتى راحت أنا جريجوريفنا في العمل على نشر أفكاره «السامية النبيلة»، وراحت تصدر بجهد نادر الطبعة تلو الأخرى من أعماله الكاملة، وفي نفس الوقت أسست في سفاريا روسا تحمل اسم دستويفسكي، كما أنشأت قسما خاصا تابعا لمتحف التاريخ في موسكو يضم مقتنيات الكاتب، وعددا هائلا من مخطوطاته ورسومه وصوره في نسخها الأصلية، وكذلك أعماله الكاملة، بالإضافة إلى كافة الأعمال النقدية التي كتبت عنه في اللغات الأوروبية والشرقية مع استثناءات قليلة. وقد شجعها تأسيس المتحف على الاضطلاع بوضع عمل بيبلوجرافيا شاملة تضم وصفا لكل ما جمعته عنه، بعبارة أخرى، قوائم كاملة لكل مؤلفاته، وكذلك كل ما كتب عنه.
إن العمل الذي نشرته أنا جريجوريفنا تحت عنوان «الدليل البيبلوجرافي للمؤلفات والأعمال الفنية الخاصة بحياة ونشاط ف. م. دستويفسكي»، ويضم ما يصل إلى 5000 مادة بيبلوجرافية أدبية روسية فريدة. ما إن أنهت أنا جريجوريفنا هذا العمل الضخم، المسئول والصعب - تأسيس التراث الأدبي دستويفسكي - حتى راحت تكمل أعوام حياتها الأخيرة والطويلة بالعمل على كتابة مذكراتها التي لا يستغني عنها أي كاتب يهتم بشخصية ومصير مبدع الرواية الفلسفية الروسية.
اشتهرت أنا جريجوريفنا، حتى إبان حياتها، أنها سيدة عملية واسعة الحيلة، وأنها كانت تصل أحيانا في هذا الصدد إلى أقصى الحدود. لقد كانت أنا جريجوريفنا في مجال النشر المعقد مثالا للمرأة العصامية التي علمت نفسها بنفسها حتى وصلت في هذه الحرفة إلى نتائج باهرة، حتى إن آخرين لا تعرفهم على الإطلاق جاءوا ليتعلموا على يديها هذا العمل؛ مثال ذلك الكونتيسة صوفيا تولستايا (زوجة ليف تولستوي). تقول ابنتها لوبوف فيودوروفنا دستويفسكايا في مذكراتها التي نشرت منذ زمن غير بعيد: «كان دستويفسكي مندهشا بهذه السهولة التي تجمع بها أمي الأرقام الكبيرة، وأن تجيد لغة العقود الصعبة.»
لكن هذه المهارة العملية التي كانت لدى أنا جريجوريفنا أثارت حفيظة الكثير من الناس، لتلقي في النهاية على صورتها بظلال كثيفة، الأمر الذي حجب عنا المآثر الحقيقية التي اجترحتها هذه المرأة الكادحة، التي يندر أن تجد لها مثيلا، كما ساد أيضا إبان حياتها رأي مفاده أنها سيدة أعمال شحيحة، بل إن بعض الصحف نشرت حكايات تهجو فيها زوجة الكاتب الشهير الذي عاش ومات في فقر مدقع، ليترك لأرملته تراثا أدبيا استطاعت هي أن تحوله إلى ثروة ضخمة.
وحتى اليوم ينظر إلى أ. ج. دستويفسكايا باعتبارها سيدة أعمال مقترة، خبيرة في الحسابات، تجيد جمع المال بهمة ونشاط. وإذا كانت هذه الخصال لها أساس من الصحة، فهي في كافة الأحوال لا تعيبها ولا تنتقص من قيمة الجهد الذي بذلته هذه الصديقة الأخيرة لدستويفسكي.
لقد كانت أنا جريجوريفنا المرأة العملية التي تجيد التعامل مع المال، على النقيض تماما في هذا المجال، بطبيعة الحال، من فيودور ميخايلوفيتش الذي كان يتعامل مع المال بسذاجة طفولية. على أن هذا التناقض بين طبيعتيهما قد سار، بما لا يدع مجالا للشك، لصالح حياتهما المشتركة، فإذا كان بإمكان دستويفسكي أن يوقع، كما تشهد بذلك أنا جريجوريفنا، على كمبيالات وهمية بمبالغ ضخمة، دون أن يتجاسر على سؤال الطالب عن صحة الأمر، بينما يقوم رجل الأعمال الحاذق باستغلال ثقة وافتقاد دستويفسكي للخبرة العملية، فإن أنا جريجوريفنا كانت تقيه شر هذه الصفقات، فضلا عن أنها كانت تدخل في صراع ضار مع الدائنين، وهو صراع نجحت في إدارته بمهارة وحيوية، وحققت فيه انتصارا كبيرا. وهو ما يؤكده جزء كبير من مذكراتها لخصت فيه «الصراع مع الدائنين»؛ هذا الصراع الصعب، الشاق والمضني، الذي كشف عن طاقة نادرة وفطنة، وحتى عن شجاعة لدى زوجة الكاتب.
Page inconnue