Femmes dans la vie de Dostoïevski
نساء في حياة دستويفسكي
Genres
كما جرى استجلاب صناديق من الكتب الجديدة مثل «فسيولوجيا الحياة» أو «تاريخ الحضارة». وعندئذ اتخذ الوالدان قرارا مفاجئا؛ إرسال ابنتهما للدراسة في بطرسبورج.
في خضم هذا المزاج الجديد، وقبل أن تحصل على الموافقة على السفر، تقرر أنا فاسيليفنا كروكوفسكايا أن تكرس نفسها للأدب، وترسل سرا إلى هيئة تحرير مجلة «العصر» في بطرسبورج مخطوطة قصتها باسم باليبين المستعار. بعد نجاحاتها الأولى في الصحافة والصراعات العائلية المضنية، تحصل الكاتبة الشابة أخيرا على السماح لها بالتعرف شخصيا على الصحفي والمعتقل السابق دستويفسكي. وفي شتاء عام 1865م يتم في بطرسبورج هذا التعارف المشهود.
كان اللقاء الأول غير موفق ومتكلف، في حضور أقارب أنا فاسيليفنا المفرطين في التأدب، لم يشعر الكاتب أنه على سجيته، بل شعر بالارتباك على نحو واضح. بدا عجوزا مريضا، «وراح طوال الوقت يعبث في عصبية بذقنه الخفيفة الشقراء ثم يعض شاربه، زد على ذلك أن وجهه كله كان يرتعش.»
على أن الزيارة التالية كانت أكثر توفيقا، عندما وجد دستويفسكي الشقيقتين وحدهما في البيت، وعلى الفور توطدت العلاقة. سرعان ما أصبح الكاتب سيد البيت. كان مغرما بقوة بالأخت الكبرى، كما أصبح فجأة المحبوب الأول للأخت الصغرى، المراهقة صوفيا، التي ظلت محتفظة إلى الأبد بشعور الصداقة العميقة تجاه الكاتب.
انتعشت مشاعر دستويفسكي بصحبة الأختين، فراح يتحدث على نحو بالغ الجاذبية، بوضوح وبهاء، عن حكاية تعرضه للإعدام، وعن نوبات الصرع التي تداهمه، وعن أفكاره الإبداعية المكنونة. ذات مرة أثار الرعب في نفوس مستمعيه الشباب أثناء حديثه في وجود أم الفتاتين، عندما عرض عليهن الحالة النفسية التي سيكون عليها بطله القادم ستافروجين وهو يقوم بالاعتراف.
على أن دستويفسكي لم يكن يشعر أنه على طبيعته في الأمسيات الكبرى. كان دستويفسكي يرتبك، يشعر بالاضطراب ويكسو وجهه الحياء، محاولا التماسك وهو وسط أصحاب المقام الرفيع والأكاديميين الكبار وضباط الحرس المتألقين. إحدى هذه الأمسيات كانت علامة على نهاية علاقة أنا فاسيليفنا بهذا المعجب الذي يفتقد إلى اللباقة إلى حد كبير. لقد ظهرت لدى هذه الفتاة ذات الطبع الجامح الرغبة في أن تخالف دستويفسكي الرأي، الأمر الذي أثار عصبيته وتعنته على نحو لم يحدث من قبل.
تحكي صوفيا كوفاليفسكايا أن قضية العدمية كانت موضوع الجدل الدائم والملح بينهما. وكان الجدل بينهما في هذه القضية يظل محتدما أحيانا إلى ما بعد منتصف الليل، وكلما استمر حديثهما حمي وطيس الجدل الذي يعبر فيه كل منهما عن أكثر الآراء تطرفا.
أحيانا ما كان دستويفسكي يصيح قائلا: «إن شبابنا الحالي كله غبي وغير ناضج. إن زوجا من الأحذية اللامعة أفضل عندهم من بوشكين!»
تقول صوفيا بثقة إن: «بوشكين قد أصبح بالفعل قديما بالنسبة لزمننا.» وهي تعلم أن لا شيء يثير جنون دستويفسكي قدر الحديث عن بوشكين دون احترام.
كان دستويفسكي عندما يشتط غضبا يأخذ قبعته ويغادر المكان، معلنا في انتصار أن الجدل مع فتاة عدمية لا جدوى من ورائه، وأنه لن يأتي لزيارتنا مرة أخرى.
Page inconnue