مستودع للأنهار القصيرة والطويلة التي تصدر عن ثلوج جبال القمر وأمطارها، وهي تغذي النيل وتملأ الحفرة بين الدرجة الأولى والدرجة الثانية من العرض الشمالي، وتمتد الجبال على جانبيها، وتعد حدا للحيوانات باتساعها وطولها فيعجز معظم أنواع الجراد عن مجاوزتها، حتى إن الزنوج يسمونها بلغتهم الزاهية «لوتانزيغا»؛ أي «الضياء الذي يقتل الجراد».
وقال أحد ملوك الزنوج لبعض السياح: «يمكن روح البحيرة أن تثير الرياح الهائلة عليكم وتقلب جميع زوارقكم.» وألقى الزنوج فيها دجاجا وخرزا بحضرة الملك تسكينا لها، ويحيق الخطر بكل شيء ما كان هنالك مرفأ واحد فقط وما دام يسافر في قوارب صغيرة أو على أرماث
4
غريبة مصنوعة من سوق البردي وما دامت الزوابع والأعاصير تهب بغتة، وبالعكس تنعم روح البحيرة على سكان شواطئها بمقادير كبيرة من الأسماك التي تدفعها العواصف إلى الشاطئ فتؤخذ بحبال طويلة أو في سلال، ويذكر في كل حديث يقع بينكم وبينهم خبر عن سمك نهري عظيم وجد هنالك من قبل أجدادهم، ونبأ أكبر من ذلك عن الملح.
وماء بحيرة فيكتورية - هذا البحر الداخلي - عذب، وماء بحيرة ألبرت ملح، وملح هذه البحيرة رزق لمعظم زنوج تلك البقعة، ولا تصل أيديهم إلى الكلأ الطويل الذي يحبكون به بيوتهم، فيضطرون إلى ابتياعه من بعيد بذلك الملح الذي يستعمله في أغذيته نصف أوغندة كما تستعمله القبائل الأخرى وداخل الكونغو البلجية حيث يفتقر إليه، ويرسب ذلك الملح في البحيرة فلا يحتوي النيل عند خروجه على شيء منه تقريبا، ولهذه الظاهرة شأنها في ألوف الكيلومترات من المجرى التحتاني، ولهذه الظاهرة خطرها حتى لمصر، وهكذا يشعر في المشيب، عن قدر، بنتائج مغامرات الشباب، وهكذا تبصر الملح العقيم عامل حياة في الجبال التي تحول الحواجز الوعرة دون زراعة الحبوب فيها، ولكن الرجال لا يبدون حراكا في جمعه، والنساء هن اللائي يفعلن كل شيء.
وذلك قدر ساحر، وفي أقصى شمال البحيرة الشرقي، وفي المضايق العميقة، وبين الصخور وكسر الحجارة التي يحس الرجل الأبيض حرارتها من خلال نعل حذائه، تنبعث أبخرة كبريتية محرقة خانقة وتنبجس من تلك التجاويف مياه حارة مالحة إلى الغاية رائقة، وفي ذلك الجو تشاهد نساء عاريات عريا تاما يرفعن جدرا صغيرة من طين، ومن بين هذه الجدر وفي قنوات ضيقة يوجهن الطين المالح، وبين هذه الجدر التي توحي بمنظر قرية خربة، والتي تفصل بعض مختلف المنافع عن بعض يجلس النساء والأولاد القرفصاء ويجرفون الطين الذي يرسب من الماء بقطع من حديد، ويلتقطونه أو يقطرونه بحسب الحال في جواب
5
من صلصال ،
6
والحذق كل الحذق في مزج التراب والماء مزجا مناسبا، وإذا ما برد المطر التراب ذهب الملح، والمطر أشد ما يخشونه كما أن الغيث أكثر ما يرجوه إخوانهم، ولتلك المادة التي يستخرجونها من الماء قيمة كالتي تكون لما يناله غيرهم في مياه أخرى بالرحض،
Page inconnue