5
الذي يصلح علاجا للتينيا،
6
ثم أصبح رئيسا لجماعة من قاطعي الطرق، ولم يمض عليه زمن حتى ارتقى إلى العرش كنابليون الذي صار إمبراطورا بعد أن كان ملازما، ويذكرنا هذا الملك بكثير من أولياء الأمور في زماننا أيضا، فهو قد أضاع اتزانه لما وصل إلى أوج المعالي وبدا وحشا ضاريا قاتلا لكل من يعارضه، ولكن مع حمله البطرك بالقوة على منحه البركة، ويسفر موت زوجه الثانية عن اكتئابه كثيرا، ويتزوج ثالثة تتجلى صفتها البارزة بأنها بنت لأمير قوي، وهو يرى العوض في تمتعه بامرأة غلاوية جميلة، وكلتاهما ترافقه في الحروب، فتنصب لكل منهما خيمة على مسافة متساوية من خيمته الملكية القرمزية، وهو إذا ما سار جعل إحداهما في الطريق بعيدة من الأخرى نصف ميل.
والإنكليز وحدهم هم الذين كان تيودور يدنيهم منه، لاعتماده على عونهم ضد المصريين، وقد بلغ من الصداقة لاثنين منهم ما انتقم معه لقتلهما في إحدى معاركه بقطع رءوس مئات من الأسرى، وهو - بعد هلاك الصائد الإيرلندي والقنصل الاسكتلندي على ذلك الوجه - لم ير كفوا له غير شخص واحد، غير الملكة فيكتورية التي غدت أيما منذ وقت قصير، وهو قد أبصر أن سلطانها على كثير من الشعوب السود يزيد لا ريب إذا ما تزوجت «ملك الملوك» بأفريقية، ففي سنة 1862، وبلا واسطة، عرض عليها الزواج به.
وحدث ما لا يصدق، حدث أن ظل كتابه من غير جواب، ويوغر هذا الاستخفاف صدر أقوى الملوك فيقف الوزير الإنكليزي كميرون ويقرنه بالأغلال مع أحد المجرمين، وتنظم إحدى الدول العظمى للمرة الأولى ؛ أي في سنة 1868، حملة تأديبية ضد الحبشة، ويوغل الإنكليز في البلاد ويحاصرون «ملك الملوك» في قصره الحصين، ويطلبون إطلاق الأسير، ويذكر المغامر تيودور نشأته الأولى الباسلة ويقتل نفسه، وينال بعمله هذا احترام الأعقاب وتقديرهم للثمن الغالي الذي أداه.
الفصل السادس
جعلت الجبال من الحبشي محاربا، وكان المطر يقطع كل حرب منذ ألوف السنين، ولا تؤتي البغضاء أكلها إلا بين أكتوبر ومايو، ولذينك العنصرين لم يغلب هؤلاء القوم الذين هم من شباه الهمج تجاه أساليب الحروب الحديثة، بل انتصروا في سنة 1870 وسنة 1890 على شعبين ذوي أسلحة جديدة وطردوهما من بلادهم: انتصروا على المصريين ثلاث مرات، ثم غلبوا إيطالية. وفي سنة 1885 كانت مصر تعالج فتنة المهدي الذي كان السودان قبضته، والذي كان يهدد الحبشة، وتحدث إيطالية نفسها بأنها تستطيع أن تظهر حامية لهذا البلد ظافرة في الساعة الأخيرة بحصتها من الحلوى السوداء الكبرى، ويلوح أن مصير الحبشة أمر مفروغ منه، وما كان أحد ليعتقد بقاء كيانها.
ويقتل آخر نجاشي على الحدود في أثناء محاربته المهدي، وينادي أحد أتباعه الأقوياء بنفسه نجاشيا، ويرى هذا النجاشي الجديد في ذلك الحين الذي استفحل فيه أمر أنصار المهدي أن يقطع الطلاينة منطقة من الأراضي، وأن يرضى بحمايتهم صورة، ويعلم ذلك النجاشي الممتاز من البيض أن على ولي الأمر أن يثبت صفاء أصله، فيتسمى بمنليك الثاني، مدعيا أنه من ذرية منليك الأول الذي ورث حكمة سليمان وجمال ملكة سبأ منذ ثلاثة آلاف سنة.
وكان منليك الثاني ماكرا أكثر من أن يكون حكيما، ولم يك جميلا، ولكنك تجد في سيره ما يحكي صورة الأسد، ولا تبصر سمة السامية ولا الحامية لدى هذا الملك ذي الشقرة التي هي آية آدميي الشمال، ولو أخفيت شفته السفلى الغليظة في صوره لبدا عصلبيا
Page inconnue