وعلى هذا فالحكم الشرعي ليس هو نفس الوصف المجعول سببا، بل جعله سببا، فكل واقعة (1) عرف الحكم فيها بالسبب لا بدليل آخر، فلله تعالى فيها حكمان: أحدهما الحكم المعرف بالسبب، والآخر السببية المحكوم بها على الوصف المعرف للحكم، فلله تعالى في الزاني حكمان: وجوب الحد عليه، وجعل الزنا سببا لوجوب الحد، فإن الزنا لا يوجب الحد بعينه، بل بجعل الشارع.
والفائدة في نصب الأوصاف وجعلها أسبابا معرفات للحكم عسر وقوف المكلفين على خطاب الشارع في كل واقعة من الوقائع بعد انقطاع الوحي، فأظهر الله تعالى خطابه لخلقه بأمور حسية نصبها أسبابا لأحكامه، وجعلها موجبة ومقتضية للأحكام على نحو اقتضاء العلة الحسية معلولها لئلا تخلو أكثر الوقائع عن الأحكام الشرعية، سواء تكرر الحكم بتكرر السبب كما تقدم، أو لا كالحج مع الاستطاعة، والإيمان مع نصب الادلة، وإنما لم يتكرر لأن السبب واحد فلم يجب الحج إلا مرة واحدة والإيمان معرفة فإذا حصلت دامت.
واسباب الغرامات والكفارات والعقوبات ظاهرة، وقسم المعاملات ظاهر أسبابها، فلحل المال والنكاح وحرمتها العقود والطلاق.
واعترض (2) بأن المراد من جعل الشارع الزنا سببا للحد إن كان عبارة عن الإعلام بإيجاب الحد عنه فهو حق، لكنه يرجع إلى المعرف، وإن كان عبارة عن جعل الزنا مؤثرا في هذا الحكم فهو باطل [بوجوه].
Page 102