العشرة، ونفيها ما ثبت إلا بالأصل، والأصل يفيد الظن فقط، وبتقدير أن يكون فيه شيء مقطوع الدلالة فيكون من ضروريات الدين وهو ليس بفقه على ما تقدم في الحدّ، فالفقه إذًا مظنون؛ لكونه مستفادا من الأدلة الظنية، وإذا كان ظنيا فلا يصح أن يقال: الفقه: العلم بالأحكام بل الظن بالأحكام، وأجاب المصنف بأنا لا نسلم أن الفقه ظني، بل هو قطعي لأن المجتهد إذا غلب على ظنه مثلا الانتقاض بالمس، حصل له مقدمة قطعية وهي قولنا: انتقاض الوضوء مظنون، وإلى هذه المقدمة أشار المصنف بقوله: إذا ظن الحكم ولنا مقدمة أخرى قطعية وهي قولنا: كل مظنون يجب العمل به، وأشار إليها بقوله: وجب عليه الفتوى والعمل به، فينتج انتقاض الوضوء يجب العمل به، وهذه النتيجة قطعية؛ لأن المقدمتين قطعيتان: أما الأولى فلأنها وجدانية أي: يقطع بوجود الظن به كما يقطع بجوعه وعطشه، وأما الثانية وهي قولنا: كل مظنون يجب العمل به فهي أيضا قطعية لما قاله المصنف، وهو قوله: الدليل القاطع على وجوب اتباع الظن، ولم يبين الإمام ولا مختصرو كلامه ما أرادوه بالدليل القاطع، وقد اختلف الشارحون فيه فقال بعضهم: هو الإجماع، فإن الأئمة قد أجمعوا على أن كل مجتهد يجب عليه العمل والإفتاء بما ظنه وفيه نظر، فإن الإجماع ظن كما تقدم، وقال بعضهم: هو الدليل العقلي، وذلك أن الظن هو الظرف الراجح من الاحتمالات كما قررناه، فيكون الطرف المقابل له مرجوحا، وحينئذ فإما أن يعمل بكل واحد من الطرفين فيلزم اجتماع النقيضين، أو يترك العمل بكل منها فيلزم ارتفاع النقيضين، أو يعمل بالطرف المرجوح وحده وهو خلاف صريح العقل، فتعين العمل بالطرف الراجح وفيه نظر أيضا، فإنه إنما يجب العمل به أو بنقيضه إذا ثبت بدليل قاطع أن كل فعل يجب أن يتعلق به حكم شرعي، وليس كذلك، فيجوز أن يكون عدم وجوبه بسبب عدم الحكم الشرعي فيبقى الفعل على البراءة الأصلية كحاله قبل الاجتهاد، وكحاله عند الشك.
قوله: "والظن في طريقه" أشار بذلك إلى الظن الواقع في المقدمتين، حيث قلنا: هذا مظنون، وكل مظنون يجب العمل به، فإنه قد وقع التصريح بالظن في محمول الصغرى وموضوع الكبرى، فكيف تكون المقدمتان قطعيتين مع التصريح بالظن؟ فأجاب عن ذلك بأن المعتبر في كون المقدمة قطعية أو ظنية إنما هو بالنسبة الحاصلة فيها، فإن كانت قطعية كانت المقدمة قطعية، وإن كانت ظنية كانت المقدمة ظنية، سواء كان الطرفان قطعيين أو ظنيين، أو كان أحدهما قطعيا والآخر ظنيا، ولا شك أن النسبة الحاصلة من الأول هو وجود الظن، وبالنسبة الحاصلة من الثانية هو وجوب العمل به، وكلاهما قطعي كما بيناه، فلا يضر مع ذلك وقوع الظن فيها؛ لأنه واقع في الطريق الموصل إلى النسبة التي توصل إلى الحكم، فإن مقدمتي القياس وجميع أجزائها طريق موصل إلى الحكم، فتخلص حينئذ أن الفقه كله مقطوع به بهذا العمل، وبهذا قال أكثر الأصوليين، كما قاله القرافي في شرح المحصول، وفي التقرير المذكور
1 / 14