الفصل الثالث في ذكر الظواهر الحادثة بعد الهجرة إجمالا
[الإذن بالقتال:] ولما مكث ﷺ بضع عشرة سنة يدعو إلي الله بغير قتال، صابرا على إيذاء العرب بمكة، واليهود بالمدينة له ولأصحابه؛ لأمر الله له بالصبر، ووعده له بالفتح، أذن له بالقتال لكن لمن قاتله بقوله تعالى: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا [الحج: ٣٩] ... الاية ولما نزلت أخبر ﷺ بقوله «أمرت أن أقاتل الناس حتّى يقولوا لا إله إلا الله» المراد مع «محمد رسول الله»، وقد يكتفى بالجزء الأوّل عن كلمتى الشهادة، أي عن التعبير بجميعهما؛ لأنه صار شعارا لجميعهما، فحيث قيل «كلمة الشهادة»، أو «كلمة الإخلاص» أو «قول لا إله إلا الله» فهو «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، وفي لفظ: «حتى يشهدوا ألاإله إلا الله وأنى محمد رسول الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم علي الله تعالى»، قيل. وما حقها؟ قال: «زنا بعد إحصان، وكفر بعد إسلام، أو قتل نفس» «١» .
وهي الكلمة العالية والشريعة الغالبة، من استمسك بها فقد سلم، ومن اعتصم بعصمتها فقد عصم، لقوله ﷺ: «فإذا قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها ...» هذا توقيع العصمة الدنيوية، وأما توقيع العصمة الاخروية ف «من قال لا إله إلا الله دخل حصني، ومن دخل حصنى أمن من عذابي» «٢» .
والأمر الذى أخبر عنه) هو قوله تعالى: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ [الحج: ٣٩] .
قال بعضهم: وهي أوّل اية نزلت في شأن القتال.
وظاهر هذا السياق يقتضى أن الاية فيها الأمر له ﷺ بالقتال المذكور، وقد
(١) رواه البخارى، ومسلم، والنسائي، وأبو داود عن أبى هريرة، والبخارى ومسلم عن ابن عمر، والنسائى عن أبى بكرة، والحاكم وابن ماجه عن أبي هريرة. وللحديث ألفاظ مختلفة بمعنى واحد. وهو حديث متواتر.
(٢) الحديث القدسى عن الله ﷾: رواه ابن النجار.