Nihayat Aqdam
نهاية الإقدام في علم الكلام
Genres
قالت الأشعرية حكي عن بعض متقدمي أصحابنا أنه أثبت لله خمس كلمات هي خمس صفات الخبر والاستخبار والأمر والنهي والنداء فإن سلكنا هذا المسلك اندفع السؤال وارتفع الإشكال لكن المشهور من مذهب أبي الحسن أن الكلام صفة واحدة لها خاصية واحدة ولخصوص وصفها حد خاص وكونه أمرا ونهيا وخبرا واستخبارا خصائص أو لوازم تلك الصفة كما أن علمه تعالى صفة واحدة تختلف معلوماتها وعي هي مختلفة في أنفسها فيكون علما بالقديم والحادث والوجود والعدم وأجناس المحدثات وكما لا يجب تعدد العلم بعدد المعلومات كذلك لا يجب تعدد الكلام بعدد المتعلقات وكون الكلام أمرا ونهيا أوصاف الكلام لا أقسام الكلام كما أن كون الجوهر قائما بذاته قابلا للعرض متحيزا ذا مساحة وحجم أوصاف نفسية للجوهر وإن كانت معانيها مختلفة كذلك كون الكلام أمرا ونهيا وخبرا واستخبارا أوصاف نفسية للكلام وأن كانت معانيها مختلفة وليس اشتمال معنى الكلام على هذه المعاني كانقسام العرض إلى أصنافه المختلفة وانقسام الحيوان إلى أنواعه المتمايزة فأقسام الشيء غير وأوصاف الشيء غير وكل ما في الشاهد للكلام من الأقسام فهو في الغائب للكلام أوصاف والذي يحقق ذلك أن المعنى قد يكون واحدا في ذاته ويكون له أوصاف هي اعتبارات عقلية ثم الاعتبارات العقلية قد تكون من جهة النسب والإضافات وقد تكون من جهة الموانع واللواحق أليست الإرادة قد تسمى رضى إذا كان فعل الغير واقعا على نهج الصواب وقد تسمى هي بعينها سخطا إذا كان الفعل على غير الصواب كذلك يسمى أمرا إذا تعلق بالمأمور به ويسمى نهيا إذا تعلق بالمنهي عنه وهو في ذاته واحد وتختلف أساميه من جهة متعلقاته حتى قيل أن الكلام بحقيقته خبر عن المعلوم وكل عالم يجد من نفسه خبرا عن معلومه ضرورة فإن تعلق بالشيء الذي وجب فعله سمي أمرا وإذا تعلق بالشيء الذي حرم فعله سمي نهيا وإن تعلق بشيء ليس فيه اقتضاء وطلب سمي خبرا واستخبارا فهذه أسامي الكلام من جهة متعلقاته كأسامي الرب تعالى من جهة أفعاله.
ثم نقول ليس بيد الخصم في هذه المسئلة إلا مجرد الإلزام على مذهب من قال بوحدة الكلام وإلا فمن أنكر أصل الكلام النفسي كيف يسمع منه القول في الوحدة ولكن العجب من هذا الملزم أنه التزم ما هو أمحل المحال في وحدة الحال التي هي مصححة الأحوال فإنه قال عالمية الباري سبحانه وقادريته حال وله حال توجب كونه عالما قادرا فقد أثبت حالا لها خصوصية العلم والقدرة وهي واحدة في نفسها وراء الذات فكيف يستبعد ممن يثبت كلاما هو أمر ونهي وخبر وهو في نفسه واحد مختلف الاعتبار والفلاسفة الذين هم أشد إنكارا للكلام الأزلي ووحدته أثبتوا عقلا واحدا في ذاته ووجوده وتفيض منه صور لا تتناهى مختلفة ربما تختلف أساميه باختلاف الصور والفيض عندهم كالتعلق عند المتكلم والعقل الأول كالكلام في وحدته واختلاف الكلام بالأمر والنهي كاختلاف الفيض بالصور.
وأوضح من ذلك مذهبهم في المبدأ الأول لا يتكثر بتكثر الموجودات اللازمة والصفات والأسماء إما إضافة وإما سلب وإما مركبة من إضافة وسلب فهلا قالوا في الكلام كذلك وهلا أثبتوا كلاما أزليا على منهاج إثباتهم له عناية أزلية حتى يكون هو المبدأ وإليه الرجعى تكليفا على أفعال عباده فيكون له الخلق في الأول والأمر في الثاني ويرجع الكل إليه " لله الأمر من قبل ومن بعد وإليه يرجع الأمر كله " .
Page 101