Nihayat Aqdam
نهاية الإقدام في علم الكلام
Genres
فإن قيل فما الدليل على أن الأجسام متناهية من حيث الذات قلنا لو قدرنا جسما لا يتناهى أو بعدا لا يتناهى فإما أن يكون ذلك الجسم غير متناه من جميع الجهات أو من جهة واحدة وعلى أي وجد قدر فيمكن أن يفرض فيه نقطة متناهية يتصل بها خط لا يتناهى ويمكن أن تفرض نقطة أخرى على خط هو أنقص من الأول بذراع ونصل بين النقطتين بحيث يطبق الخط الأصغر على الخط الأطول فإن كان كل واحد من الخطين تمادى إلى غير نهاية فيكون الخط الأصغر مساويا للخط الأطول وهو محال وإن قصر الأقصر عن الأطول بمتناه فقد تناهى الأقصر وتناهى الأطول إذ قصر عنه الأقصر بمتناه وزاد الأطول عليه بمتناه وما زاد على الشيء بمتناه كان متناهيا وعلى كل حال فإن كان أحدهما أكبر من الثاني كان فيما لا يتناهى ما هو أصغر وأكبر وأكثر وأقل وذلك محال فعلم أن جسما لا يتناهى محال وجوده وإن بعدا لا يتناهى في خلا أو ملا محال ويمكن أن ينقل هذا البرهان بعينه إلى أعداد وأشخاص لا تتناهى حتى يتبين أن فرض ذلك محال فإذا قضينا على الجسم بالتناهي وجاز أن يكون أكبر منه وأصغر وإذا تخصص أحد الجايزين احتاج إلى المخصص وكما يمكن فرض الجواز في الصغر والكبر يمكن فرضه في التيامن والتياسر فإن الجواز العقلي لا يقف في الجايزات ثم المخصص لا يخلو إما أن يكون موجبا بالذات مقتضيا بالطبع وإما أن يكون موجدا بالقدرة والاختيار والأول باطل فإن الموجب بالذات لا يخصص مثلا عن مثل إذ الإحياز والجهات والأقدار والأشكال وساير الصفات بالنسبة إليه واحدة وهي في ذواتها متماثلة إذ لا طريق لنا إلى إثبات الصانع إلا بهذه الأفعال وقد ظهر فيها آثار الاختيار لتخصيصها ببعض الجايزات دون البعض فعلمنا قطعا ويقينا أن الصانع ليس ذاتا موجبا بل موجدا عالما قادرا وهذه الطريقة في غاية الحسن والكمال إلا أنها محتاجة إلى تصحيح مقدمات ليحصل بها العلم بحدث العالم واحتياجه إلى الصانع منها إثبات نهاية الأجرام في ذواتها ومقاديرها ومنها إثبات خلا وراء العالم حتى يمكن فرض التيامن والتياسر فيه ومنها نفي حوادث لا أول لها فإن الخصم ربما يقول بموجب الدليل كله ويسلم أن العالم ممكن الوجود في ذاته وأنه محتاج إلى مخصص مرجح لجانب الوجود على العدم ومع ذلك يقول هو دايم الوجود به ومنها حصر المحدثات في الإجرام والقايم بالإجرام وقد أثبت الخصم موجودات خارجة عن القسمين هي دائمة الوجود بالغير دواما ذاتيا لا زمانيا ووجودا جوهريا لا مكانيا بحيث لا يمكن فرض التيامن والتياسر والصغر والكبر فيها ولا تتطرق الأشكال والمقادير إليها ومنها إثبات أن الموجب بالذات كالمقتضى بالطبع فإن الخصم لا يسلم ذلك ويفرق بين القسمين والأولى أن تفرض المسئلة على قضية عقلية يوصل إلى العلم بها بتقسيم داير بين النفي والإثبات.
فنقول القسمة العقلية حصرت المعلومات في ثلثة أقسام واجب ومستحيل وجايز فالواجب هو ضروري الوجود بحيث لو قدر عدمه لزم منه محال والمستحيل هو ضروري العدم بحيث لو قدر وجوده لزم منه محال والجايز ما لا ضروري في وجوده ولا عدمه والعالم بما فيه من الجواهر العقلية والأجسام الحسية والأعراض القايمة بها قدرناه متناهيا وغير متناه وكذلك لو قدرنا انه شخص واحد أو أشخاص وأنواع كثيرة إما أن يكون ضروري الوجود أو ضروري العدم وذلك محال لأن أجزاءه متغيرة الأحوال عيانا وضروري الوجود على كل حال لا يتغير بحال.
Page 5