Nihayat Aqdam
نهاية الإقدام في علم الكلام
Genres
والجواب أنا قد بينا أن معنى الحدوث عن عدم أنه هو الموجود الذي له أول لا الإمكان السابق عليه ليس يرجع إلى ذات وهو شيء حتى يحتاج إلى مادة بل هو أمر راجع إلى التقدير الذهني لأن ما لا يجوز وجوده لا يتحقق له ثبوت وحدوث والقبلية والمعية راجعة أيضا إلى التقدير العقلي وإنما نتصور نحن من حدوث العالم ما يتصورونه من حدوث النفس الإنسانية حادثة لها أول لا عن شيء حتى يمكن أن يقال أنها مسبوقة بالعدم أي لم تكن فكانت وهي ممكنة الوجود في ذاتها وإمكانها لا يستدعي مادة تسبقها فإن ذلك يودي إلى أن يكون وجودها ماديا فعلم أن الإمكان من حيث هو إمكان ليس يستدعي مادة وسبقه على الموجود الحادث ليس إلا سبقا في الذهن سميتموه سبقا ذاتيا وذلك السبق ليس سبقا زمانيا وكذلك القول في المعلول الأول وساير النفوس فإنها ممكنة الوجود بذواتها وإمكان وجودها سابق على وجودها سبقا ذاتيا وكذلك القول في الجسم الأول الذي هو فلك الأفلاك ونقول أن كل حادث حدوثا زمانيا أو حدوثا ذاتيا على أصلكم فإنه يسبقه إمكان الوجود فإن الموجود المحدث قد تردد بين طرفي الوجود والعدم وهذا التردد والسبق والإمكان كله يرجع إلى تقدير في الذهن وإلا فالشيء في ذاته على صفة واحدة من الوجود لكن الوجود باعتبار ذاته انقسم إلى ما يكون وجوده لوجود هو له لذاته أي هو غير مستفاد له من غيره فيقال الوجود أولى به وأول ما يكون وجوده لوجود هو له من غيره فيقال الوجود ليس أولى به ولا أول وهذا الوجود لم يتحقق إلا أن يكون له أول مسبوق بوجود لا أول له ويكون له في ذاته إمكان الوجود يعبر عنه بأنه مسبوق بإمكان الوجود لا أنه وجود يسبقه إمكان الوجود بل الوجود في ذاته وجود ممكن فقد وجد ها هنا سبقان أحدهما سبق وجود الموجود والثاني سبق إمكان الوجود ولكننا بعدما بحثنا عن السبق الثاني لم نعثر على معنى إلا أن الوجود المستفاد لن يتحقق إلا بأن يكون ممكنا في ذاته مقدرا فيه تردد بين طرفي الوجود والعدم واحتاج إلى مرجح لولاه لما حصل له وجود فلو كان كل حادث محتاجا إلى سبق إمكان وكل إمكان محتاجا إلى مادة وكل مادة إلى زمان تسلسل القول فيه فيقال وتلك المادة والزمان يحتاجان إلى مادة وزمان ولما حصل وجود حادث أصلا فبطل الأصل الذي وضعوا الكلام عليه بل لا بد من منتهى ينتهي إليه فيكون مبدعا لا من شيء ويكون ممكنا في ذاته ولا يستدعي إمكانه مادة وزمانا فهكذا يجب أن يتصور معنى سبق الإمكان وسبق العدم وسبق الموجد فإن الموجد يسبق بوجوده من حيث وجوده ويلزم ذلك أن يسبق العدم والإمكان في الموجد سبقا تقديريا وقد تقرر الفرق بين التقدم الذاتي والتقدم الوجودي فتأمل ذلك.
شبهة أخرى اعتمد عليها أبو علي بن سينا قال أسلم أن العالم بما فيه من الجواهر والأعراض جايز الوجود لذاته لكن كلامنا في أنه هل هو واجب الوجود بغيره دايم الوجود بدوامه قال والجايز أن لا يوجد وأن يوجد وإذا تخصص بالوجود احتاج إلى مرجح لجانب الوجود والحال لا يخلو إما أن يقال ما يجوز أن يوجد عن المرجح يجب أن يوجد حتى لا يتراخى عنه وإما أن يقال لا يجب أن يوجد حتى يتراخى عنه ثم يوجد بعد أن لم يوجد لكن العقل الصريح الذي لم يكذب يقضي أن الذات الواحدة إذا كانت من جميع جهاتها واحدة وهي كما كانت وكان لا يوجد عنها شيء فيما قبل مع جواز أن يوجد وهي الآن كذلك فالآن لا يوجد عنها شيء وإذا كان قد وجد فقد حدث أمر لا محالة عن قصد وإرادة وطبع وقدرة أو تمكن وغرض أو سبب من الأسباب ثم لا يخلو ذلك السبب إما أن يحدث في ذاته صفة أو يحدث أمرا مباينا عنه والكلام في ذلك الحادث على أي وجه كان كالكلام في العالم فإذا لا يجوز أن يحدث أمر ما وإذا لم يجز فلا فرق بين حال أن يفعل وبين حال أن لا يفعل وقد وجد الفعل فهو خلف وإنما ألزمنا هذا لأنا وضعنا في التقدير العقلي ذاتا معطلة عن الفعل وهو باطل فنقيضه حق.
والجواب قلنا أنتم مطالبون بإثبات ثلث مقدمات إحداها إثبات جواز وجود العالم في الأزل والثانية إثبات أن ما يجوز وجوده يجب وجوده والثالثة إثبات سبب حادث لأمر حادث.
Page 13