، ثم غادرها إلى جامعة بون
Bonn
بعد ست سنوات، وعندما انتقل أستاذه في اللغويات ريتشل
Ritschl
إلى ليبتسج، تبعه نيتشه إليها. وخلال تلك الفترة بدأ اتجاهه يتبلور في دراسة اللغويات والآداب الكلاسيكية، وأخذ ينصرف عن اللاهوت، بعد أن كان في الأصل ينتوي التخصص فيه. وظل نيتشه في الجامعة أربع سنوات، تخللتها فترة خدمة عسكرية انتهت بحادثة. ومن العجيب أن يختار نيتشه في نفس العام الذي أنهى فيه دراسته الجامعية أستاذا لفقه اللغة في جامعة بازل، بعد توصية من أستاذه ريتشل، الذي وصفه لدى المسئولين هناك بأنه عبقري. وهكذا بدأت مرحلة شاذة في حياة نيتشه، هي مرحلة الأستاذية الجامعية.
وفي هذه الفترة اهتدى نيتشه إلى مصدرين أساسيين من المصادر التي استقى منها تفكيره، ودارت فلسفته حولها، إما بالعرض أو بالنقد؛ وأعني بهما شوبنهور
Schopenhauer ، وفاجنر
Wagner . أما شوبنهور فسوف يتسع المجال لبحث مدى تأثيره في نيتشه خلال بحث الآراء الفلسفية لهذا الأخير، وأما فاجنر، فسوف نفرد له جزءا خاصا من هذا العرض لحياة نيتشه.
وحين نشبت الحرب السبعينية بين ألمانيا وفرنسا، ساهم نيتشه فيها أولا، فلم يفد منها سوى سلسلة من الأمراض التي انتقلت إليه بالعدوى من الجنود المصابين، وظل يقاسي منها طوال حياته. وكان نيتشه في أول الأمر متحمسا لبني وطنه، ولكن حين أدرك أن الألمان هم الذين بدءوا العدوان حمل على هذه الحرب ونتائجها، وعلى نمو روح التعصب القومي للألمان، واحتقارهم للفرنسيين، الذين كان نيتشه دائم الإعجاب بهم.
ولم يكن نيتشه متحمسا حين عاد لمتابعة إلقاء محاضراته في الجامعة؛ ذلك لأن محاضراته لم تلق النجاح الكافي، بل إن أبحاثه الفيلولوجية المختلفة في تلك الفترة لم تصادف اهتماما كبيرا، وكذلك الحال في أول كتاب له، وهو «ميلاد المأساة من روح الموسيقى». وبدأت وطأة الأمراض تشتد عليه؛ مما جعله يتوقف في فترات متقطعة عن العمل بالجامعة.
Page inconnue