ـ[نظم العقيان في أعيان الأعيان]ـ
المؤلف: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: ٩١١هـ)
المحقق: فيليب حتي
الناشر: المكتبة العلمية - بيروت
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
Page inconnue
حرف الْهمزَة
١ - الباعوني، برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن أَحْمد
إِبْرَاهِيم بن أَحْمد بن نَاصِر بن خَليفَة بن فرج الباعوني ثمَّ الدِّمَشْقِي قَاضِي قُضَاة دمشق، الإِمَام الْعَالم الأديب البارع برهَان الدّين إِبْرَاهِيم أَبُو إِسْحَاق ابْن الْعَلامَة قَاضِي الْقُضَاة شهَاب الدّين. ولد فِي سَابِع عشْرين رَمَضَان سنة سِتّ أوسبع وَسبعين وَسَبْعمائة. وَسمع المسلسل بالأولية من الْحَافِظ أبي الْفضل الْعِرَاقِيّ والحافظ أبي الْحسن الهيثمي. وَسمع من وَالِده الثَّالِث من فَوَائِد الإخشيد، وَمن التقي صَلَاح بن خَلِيل الْكِنَانِي، ومشيخة قَاضِي المارستان تَخْرِيج السَّمْعَانِيّ، وَمن شمس الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَليّ بن أَحْمد بن خطاب بن السِّرّ الْقُدسِي الموءذن الْأَرْبَعين الصُّوفِيَّة تَخْرِيج أبي نعيم، وَمن عَائِشَة بنت عبد الْهَادِي البُخَارِيّ. وبرع فِي النّظم والنثر وَاخْتصرَ " الصِّحَاح " وَله ديوَان شعر، وديوان خطب. مَاتَ فِي ربيع الأول سنة سبعين وَثَمَانمِائَة. وَمن شعره:
ألم تراني قد خلقت كَمَا ترى ... بأخلاق أَحْرَار الورى أتخلق
وَإِنِّي صبَّار شكور وحامد ... وَإِنِّي إِذا أملقت لَا أتملق
وَإِن عرضت لي حَاجَة من حوائجي ... فَإِنِّي بِغَيْر الله لَا أتعلق
1 / 13
نظم العقيان فِي أَعْيَان الْأَعْيَان
وَإِنِّي رَاض عَنهُ فِي كل حَالَة ... وَإِنِّي من الْمَقْدُور لَا أتقلق
وَإِن كنت ذَا دنيا وقادت مذلة ... إِلَيّ لكَانَتْ بِالثلَاثِ تطلق
وَلست بِحَمْد الله ذَا طمع بِهِ ... إِلَيّ نيل جدوى منعم أتسلق
وَلَا خابطا فِي ظلمَة من ضَلَالَة ... وَنور الْهدى لي ظَاهر يتألق
نظرت إِلَى الدُّنْيَا ونعمة آلها ... فَمَا هِيَ إِلَّا كالشعور تحلق
وشاهدت هامات لَهُم بسيوفها ... وَقد أَصبَحت مسلولةً تتفلق
وَقد فتحت أَبْوَاب شهوتها وَلَو ... أمدتهم الألطاف كَانَت تغلق
وَكم بت مَسْرُورا لعمري بِتَرْكِهَا ... وَبَات على النَّار الَّذِي يتحلق
وَقَالَ فِي مليح ساعٍ:
لله أفدي ساعيًا ... جماله سبى الورى
لَا بُد لي من وَصله ... وَلَو جرى مهما جرى
وَقَالَ:
أَتَى عَليّ تسعون ... بِلَا شكّ وَلَا ريب
وَمَا أعرف مَا يكْتب ... لي من بعد فِي الْغَيْب
ذكرت شَبَابِي الْمَاضِي ... لما صرت ذَا شيب
فيا الله جد بالستر ... لي يَا سَاتِر الْعَيْب
وبالعفو الَّذِي أرجوه يَا ... ذَا الْجُود والسيب
وَمهما عِشْت فَاجْعَلْنِي ... إلهي نَاصح الجيب
وَإِن لم تعف عَن زللي ... وآثامي فيا ريبي
1 / 14
وَقَالَ:
سل الله رَبك مَا عِنْده ... وَلَا تسل النَّاس مَا عِنْدهم
وَلَا تبتغي من سواهُ الْغنى ... وَكن عَبده لَا تكن عبدهم
٢ - الخجندي، الْمدنِي برهَان الدّين
إِبْرَاهِيم بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الخجندي الْمدنِي الْحَنَفِيّ، برهَان الدّين أَبُو مُحَمَّد بن الْعَلامَة جلال الدّين أبي الطَّاهِر، أحد الأفاضل الْأَعْيَان. ولد سنة تسع وَسبعين وَسَبْعمائة. وَسمع ابْن صديق، والمراغي، وَأَجَازَ لَهُ التنوخي وَابْن الذَّهَبِيّ. ودرس وصنف شرحًا على الْأَرْبَعين النووية. وَله نظم ونثر وَترسل. مَاتَ فِي رَجَب سنة إِحْدَى وَخمسين وَثَمَانمِائَة بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّة، وَقد جَاوز السّبْعين
ابْن خضر، الْفَقِيه المشارك برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن خضر
إِبْرَاهِيم بن خضر بن أَحْمد بن عُثْمَان بن كريم الدّين جَامع بن مُحَمَّد بن فَزَارَة بن فضَالة بن عكاشة بن يحيى بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن أبي الطّيب بن هبة الله بن مُحَمَّد بن مِيكَائِيل بن عَمْرو بن عُثْمَان بن عَفَّان ﵁، الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة برهَان الدّين بن خضر العثماني القصوري الأَصْل نِسْبَة إِلَى الْقُصُور قَرْيَة بالصعيد، القاهري المولد الشَّافِعِي. ولد فِي شَوَّال سنة أَربع وَتِسْعين وَسَبْعمائة وَسمع عَن الشّرف ابْن الكويك.
1 / 15
وَأَجَازَ لَهُ الْحَافِظ زين الدّين الْعِرَاقِيّ. وَأَقْبل على الْعلم حَتَّى برع فِي النَّحْو وفَاق فِي الْفِقْه، وَتقدم فِي الْفَرَائِض والحساب، وَضرب فِي غَالب الْفُنُون بِسَهْم. وَكَانَ أَخذ عَن الْجلَال البُلْقِينِيّ، والبرهان البيجوري، وَالشَّمْس الْبرمَاوِيّ، وَكَانَ ذَا علم غزير وَدين متين. مَاتَ لَيْلَة الْخَمِيس خَامِس عشر الْمحرم سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَثَمَانمِائَة.
٤ - ابْن صَدَقَة الْمَقْدِسِي، برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن صَدَقَة
إِبْرَاهِيم بن صَدَقَة بن إِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل الْمَقْدِسِي الأَصْل، ثمَّ القاهري الْحَنْبَلِيّ الْمَعْرُوف وَالِده بالصانع الْبَزَّار الشَّيْخ برهَان الدّين بن فتح الدّين. ولد سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَسَبْعمائة. وَسمع من الْجمال الْبَاجِيّ وَابْن حَاتِم وَأبي الْيمن بن الكويك، وَعبد الرَّحِيم بن رزين، وَاحْمَدْ بن بَنِينَ، وَأبي الْفَتْح الْعَسْقَلَانِي، وَابْن الشيخة والسويداوي وَغَيرهم. مَاتَ يَوْم الْأَحَد سادس عشر جُمَادَى الْآخِرَة سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَثَمَانمِائَة بِالْقَاهِرَةِ.
٥ - العرياني، برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن عبد الله
إِبْرَاهِيم بن عبد الله بن إِسْمَاعِيل بن عَليّ بن مُحَمَّد بن الْقَاسِم بن صَالح بن قَاسم العرياني برهَان الدّين. سمع على ابْن الحاتم وَابْن الكشك وَآخَرين،
1 / 16
وَأَجَازَ لَهُ ابْن الذَّهَبِيّ. مَاتَ فِي رَجَب سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَثَمَانمِائَة
٦ - ابْن ظهيرة، برهَان الدّين قَاضِي مَكَّة
إِبْرَاهِيم بن عَليّ بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن حُسَيْن بن عَليّ بن أَحْمد بن عَطِيَّة بن ظهيرة بن مَرْزُوق بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عطيان بن هَاشم بن حرَام بن عَليّ بن رَاجِح بن سُلَيْمَان بن عبد الرَّحْمَن بن حَرْب بن إِدْرِيس بن سَالم بن جَعْفَر بن هَاشم بن الْوَلِيد بن جُنْدُب بن عبد الله بن الْحَارِث بن عبد الله بن الْوَلِيد بن الْوَلِيد بن الْمُغيرَة بن عبد الله بن عمر بن مَخْزُوم، الْقرشِي المَخْزُومِي الْمَكِّيّ، برهَان الدّين أَبُو إِسْحَاق الشَّافِعِي، قَاضِي مَكَّة المشرفة بن القَاضِي نور الدّين، بن قَاضِي الْقُضَاة كَمَال الدّين أبي البركات ابْن القَاضِي جمال الدّين أبي السُّعُود. جده الْوَلِيد بن الْوَلِيد بن الْمُغيرَة صَحَابِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَهُوَ أَخُو خَالِد ابْن الْوَلِيد سيف الله ﵁. وأخوهما هِشَام بن الْوَلِيد صَحَابِيّ أَيْضا من الموءلفة قُلُوبهم رَضِي الله عَن الثَّلَاثَة. وَكَانَ إِسْلَام الْوَلِيد قبل إِسْلَام أَخَوَيْهِ.
روى ابْن سعد فِي " الطَّبَقَات " قَالَ: أخبرنَا مُحَمَّد بن عمر " قَالَ " حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن جَعْفَر عَن أَبِيه قَالَ، أسر الْوَلِيد يَوْم بدر أسره عبد الله بن جحش وَيُقَال سليط بن قيس الْمَازِني فَقدم فِي فداية أَخَوَاهُ خَالِد وَهِشَام ابْنا الْوَلِيد بن الْمُغيرَة. فتمنع عبد الله بن جحش حَتَّى إفتكاه بأَرْبعَة آلَاف فَخَرَجَا بِهِ حَتَّى بلغا بِهِ ذَا الحليفة فافلت مِنْهُمَا فَأتى
1 / 17
النَّبِي ﷺ فَأسلم. فَقَالَ لَهُ خَالِد: هلا كَانَ هَذَا قبل أَن تفدى قَالَ: كرهت أَن تَقول قُرَيْش إِنَّمَا أتبع مُحَمَّدًا فِرَارًا من الفدا. ثمَّ أَخْرجَاهُ إِلَى مَكَّة وَهُوَ آمن لَهما، فحبساه بِمَكَّة مَعَ نفر كَانُوا قد اسلموا، مِنْهُم عَيَّاش بن أبي ربيعَة، وَسَلَمَة ابْن هِشَام، فَدَعَا لَهما رَسُول الله ﷺ قبل بدر، ودعا بعد بدر، للوليد بن الْوَلِيد مَعَهُمَا. فَدَعَا ثَلَاث سِنِين لهوءلاء الثَّلَاثَة. ثمَّ أفلت الْوَلِيد من الوثاق فَقدم الْمَدِينَة. فَسَأَلَهُ رَسُول الله ﷺ عَن عَيَّاش بن أبي ربيعَة، وَسَلَمَة بن هِشَام، فَقَالَ تركتهما فِي ضيق وَشدَّة. فَقَالَ لَهُ: انْطلق حَتَّى تنزل بِمَكَّة على الْقَيْن فَإِنَّهُ قد أسلم، فتغيب عِنْده وأطلب الْوُصُول إِلَى عَيَّاش وَسَلَمَة فَأَخْبرهُمَا أَنَّك رَسُول رَسُول الله ﷺ بَان تأمرهما بِأَن ينطلقا حَتَّى يخرجَا. قَالَ الْوَلِيد: فَفعلت ذَلِك فَخَرَجَا وَخرجت مَعَهُمَا. فَكنت اسري بهما مَخَافَة الطّلب والفتنة، حَتَّى انتهينا إِلَى ظهر حرَّة الْمَدِينَة.
وَقَالَ ابْن سعد: أَنبأَنَا مُحَمَّد بن عمر، حَدثنِي مُحَمَّد بن عبد الله، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عُرْوَة قَالَ: خرج سَلمَة بن هِشَام، وَعَيَّاش بن أبي ربيعَة، والوليد بن أبي ربيعَة، والوليد بن الْوَلِيد مُهَاجِرين إِلَى رَسُول الله ﷺ، فطلبهم نَاس من قُرَيْش ليردوهم فَلم يقدروا عَلَيْهِم. فَلَمَّا كَانُوا بِظهْر الْحرَّة قطعت إِصْبَع الْوَلِيد بن الْوَلِيد، فَقَالَ:
1 / 18
هَل أَنْت إِلَّا إِصْبَع دميت ... وَفِي سَبِيل الله مَا لقِيت
قَالَ: وَانْقطع فوآده فَمَاتَ بِالْمَدِينَةِ، فبكته أم سَلمَة بنت أبي أُميَّة ﵂ فَقَالَت:
يَا عين فابكي للوليد ... ابْن الْوَلِيد بن الْمُغيرَة
كَانَ الْوَلِيد ابْن الْوَلِيد ... أَبُو الْوَلِيد فَتى الْعَشِيرَة
فَقَالَ رَسُول الله ﷺ: " لَا تقولي هَكَذَا يَا أم سَلمَة، وَلَكِن قولي: وَجَاءَت سكرة الْمَوْت بِالْحَقِّ ذَلِك مَا كنت مِنْهُ تحيد وروى ابْن سعد من وَجه آخر إِن الْوَلِيد بن الْوَلِيد بن الْمُغيرَة لما كَانَ بِظهْر الْحرَّة عثر فَانْقَطَعت أُصْبُعه فربطها وَهُوَ يَقُول:
هَل أَنْت إِلَّا إِصْبَع دميت ... وَفِي سَبِيل الله مَا لقِيت فَدخل الْمَدِينَة فَمَاتَ بهَا. وَله عقب مِنْهُم ابْن سَلمَة بن عبد الله بن الْوَلِيد بن الْوَلِيد، سمى أبنه الْوَلِيد، فَقَالَ رَسُول الله ﷺ: " مَا اتخذتم الْوَلِيد إِلَّا حنانا " فَسَماهُ عبد الله وَذكر ابْن عبد الْبر عبد الله هَذَا فِي كتاب " الِاسْتِيعَاب " فِي الصَّحَابَة فَقَالَ: عبد الله بن الْوَلِيد بن الْوَلِيد بن الْمُغيرَة، وَهُوَ ابْن أخي خَالِد وَأَبوهُ الْوَلِيد أسن من خَالِد وأقدم إسلاما. وَكَانَ اسْم عبد الله هَذَا الْوَلِيد، فَأتى رَسُول الله ﷺ وَهُوَ غُلَام فَقَالَ لَهُ: مَا اسْمك يَا غُلَام؟ فَقَالَ الْوَلِيد بن الْوَلِيد بن الْوَلِيد بن الْمُغيرَة. فَقَالَ: " لقد كَادَت بَنو مَخْزُوم تجْعَل الْوَلِيد رَبًّا وَلَكِن أَنْت عبد الله ". وَأخرج ابْن إِسْحَاق، وَإِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ فِي " غَرِيب الحَدِيث " بِسَنَد حسن عَن أم سَلمَة ﵂ قَالَت:
1 / 19
دخل عَليّ رَسُول الله ﷺ وَعِنْدِي غُلَام من آل الْمُغيرَة اسْمه الْوَلِيد، فَقَالَ: من هَذَا؟ قلت الْوَلِيد، فَقَالَ: " قد اتخذتم الْوَلِيد حنانا. غيروا اسْمه، سَيكون فِي هَذِه الْأمة فِرْعَوْن يُقَال لَهُ الْوَلِيد ". انْتَهَت هَذِه الْفَائِدَة الحديثية.
ولد صَاحب التَّرْجَمَة فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة خمس وَعشْرين وَثَمَانمِائَة. وَأخذ الْعلم عَن عَمه القَاضِي أبي السعادات وَغَيره، ولازم وَالِدي بِمَكَّة وبالقاهرة، فَأخذ عَنهُ الْفِقْه وَالْأُصُول والعربية، والمعاني وَالْبَيَان، وَبِه تخرج فِي الْفِقْه وَالْأُصُول. وانتفع بالشيخ أبي الْفضل المغربي فِي سَائِر الْفُنُون. وَأخذ أَيْضا عَن الْحَافِظ بن حجر، والكمال ابْن الْهمام، وَشَيخنَا التقي الشمني، وَشَيخنَا الشّرف الْمَنَاوِيّ، وَشَيخنَا الكافيجي وبرع وَمهر فِي الْفُنُون. وَولي قَضَاء مَكَّة المشرفة نَحْو ثَلَاثِينَ سنة. وانتهت إِلَيْهِ رياسة الْحجاز على الْإِطْلَاق. مَاتَ فِي لَيْلَة الْجُمُعَة سادس ذِي الْقعدَة سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة.
وَلما جَاوَرت بِمَكَّة المشرفة اتّفقت لي مَعَه قَضِيَّة أوجبت بعض النفور، لما كنت أرى أَنه لَا يصدر مِنْهُ ذَلِك، لِأَنَّهُ نشو وَالِدي، وغرس نعْمَته، وتربية بَيته، لِأَنَّهُ كَانَ فِي أول أمره فَقِيرا مملقًا خاملًا. فَكَانَ وَالِدي هُوَ الَّذِي يوءويه وَيقوم بموءنته، ويعلمه الْعلم، وَيعرف بِهِ الأكابر، وَيسْعَى لَهُ بالمرتبات. فَلَمَّا صَار إِلَى مَا صَار إِلَيْهِ، ورحت إِلَى هُنَاكَ رام أَن أكون فِي كنفه وَتَحْت لوائه، كَمَا كَانَ هُوَ عِنْد وَالِدي، وكما يكون أهل مصر عِنْده، رَغْبَة فِي مَاله. وَأَنا لست هُنَاكَ، انما أرَاهُ وَاحِدًا من جمَاعَة أبي كَانَ يحملني وَأَنا صَغِير على كتفه. فَلم يبلغ مني مَا رامه. فَكَانَ لَا يزَال
1 / 20
يعتبني على ذَلِك، وَيُرْسل إِلَيّ من يعتبني، فَلَا ازْدَادَ إِلَّا شهامة. ثمَّ إِنِّي حضرت عِنْده ختم البُخَارِيّ، فَأخذ يتَكَلَّم فِي فضل التَّوَاضُع وذم المتكبرين خُصُوصا فِي الْحرم. ففطنت أَنه يعرض بِي. فَالْتَفت إِلَيْهِ وأوردت عَلَيْهِ عدَّة أسئلة فِي الحَدِيث الَّذِي كَانَ يتَكَلَّم فِيهِ، فَأجَاب عَنْهَا بِمَا لَا يُرْضِي. فبحثت مَعَه إِلَى أَن انْقَطع، واعترف بالإستفادة مني، ونقلت لَهُ نقلا عَن " الإرتشاف " فَأنكرهُ. ثمَّ أرسل أحضرهُ من الْبَيْت، فَوجدَ النَّقْل فِيهِ كَمَا ذكرت. فخضع وَصَارَ فِي نَفسه مَا فِيهَا. ثمَّ مشت الْأَعْدَاء، وَاشْتَدَّ الشقاق، بِحَيْثُ خرجت من مَكَّة وَلم أودعهُ. ثمَّ قدم الْقَاهِرَة بعد سِنِين، فَسَأَلَنِي بعض الْأُمَرَاء أَن يجمع بيني وَبَينه للصلح، فَمَا أجبْت. ثمَّ بعد سِنِين أُخْرَى أرسل إِلَيْهِ الشَّيْخ عبد الْقَادِر بن شعْبَان الفرضي، وَهُوَ رَفِيقه فِي الْقِرَاءَة على وَالِدي، كتابا يسْأَله فِيهِ أَن يَجِيء إِلَيّ ويقرأني السَّلَام وَيطْلب لَهُ مني عدَّة كتب من تصانيفي ليستنسخها لَهُ. فَجَاءَنِي وَذكر لي ذَلِك فأجبته إِلَى مَا سَالَ، وأعطيته الْكتب الَّتِي سالها، وَهِي: " الإتقان "، و" الْأَشْبَاه والنظائر "، و" تَكْمِلَة تَفْسِير الْجلَال الْمحلي " و" شرح ألفية الحَدِيث "، و" شرح ألفية بن مَالك "، و" الْجُزْء الأول من الدّرّ المنثور فِي التَّفْسِير الْمَأْثُور ". ثمَّ كتبت لَهُ كتابا بالصفاء، وَهَذِه صورته: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم:
كل نهر فِيهِ مَاء قد جرى ... فإليه المَاء يَوْمًا سيعود يُبْدِي محبَّة كَانَت فِي نهر الْعُرُوق جَارِيَة، ومودة كَانَت فِي الأباء ثَابِتَة، وان كَانَ عطلها بعض الكدر، فَهِيَ الْآن فِي الْأَبْنَاء واهية. على انه وَالله شَهِيد لَيْسَ كل مَا نقل إِلَى المسامع الْكَرِيمَة من تِلْكَ الأكدار بِصَحِيح، وَإِن
1 / 21
كَانَ بعضه قد وَقع فقد استدرك بالمحو وَلم يقف عَلَيْهِ أعجم وَلَا فصيح. وَمن نقل مَا نقل إِنَّمَا أعْتَمد على التَّوَهُّم، وَقصد بذلك أغراضا أدناها التوسم. وَلست كواحد من هوءلاء، فَإِن الْوَاحِد مِنْهُم عبد بَطْنه، إِن أعطي مدح وَأثْنى، وَإِن منع ذمّ وهجًا. وَأما أَنا فَإِنِّي أصحب الْإِنْسَان على الْحَالين حق الصُّحْبَة، واحفظ لَهُ فِي حُضُوره وغيبته رفيع الرُّتْبَة لَكِن مَعَ حفظ الْأَدَب، وَالْوُقُوف عِنْد الْحق الْمَحْض الْخَالِص من شبه الريب. وَقد كَانَ لكم فِي قلبِي من قبل أَن أحج الْحجَّة الأولى وَقبل أَن أَرَاكُم من الْمحبَّة مَا لَا يقدر قدرهَا، وَلَا يُسْتَطَاع حصرها. وَكنت أضمر للمخدوم فِي قلبِي أَن أكون لَهُ من الناصرين، وعَلى أعدائه من الثائرين. فَلَمَّا حصل الِاجْتِمَاع بالمخدوم رَأَيْته يراني بِغَيْر الْعين الَّتِي أرَاهُ، ويسوقني مساق الطغام الجفاة وَرُبمَا قدم عَليّ من لَيْسَ كشكلي، وَلست مِمَّن يرضى بالذل وَلَا يرضى بذلك من كَانَ مثلي:
وَلَا الين لغير الْحق أساله ... حَتَّى يلين لضرس الماضغ الْحجر
فهنالك حصل مَا حصل، وَفَرح بِهِ الْعَدو وافترى فِيمَا نقل. وعَلى كل تَقْدِير فقد زَالَ الجفا، وَحصل الصَّفَا، ومحي مَا كتب كَمَا أشرتم فِي سنة ثَلَاث وَسبعين، وَبدل بغاية الْإِحْسَان. وكتبت لكم التراجم الفائقة، فِي أَعْيَان الْعَصْر فَإِنَّكُم للأعيان أَعْيَان، مَعَ أَن الْأُصُول بِحَمْد الله تَعَالَى لم تزل مَحْفُوظَة، والإحساب بِعَين التَّعْظِيم والتبجيل ملحوظة، وَمَا زلت أعرف لكم حقكم، ومقامكم بذلك حقيق. فَمَتَى يسمح الزَّمَان برئيس يكون لَهُ فِي الرياسة أصل عريق، ويتمسك من الْعلم بِحَبل وثيق. وانتم
1 / 22
بِحَمْد الله تَعَالَى فِي روءساء عصركم كَالشَّامَةِ، لما اجْتمع لكم من الصِّفَات الْعلية فحسيب، وَرَئِيس، وعالم، وعلامة.
٧ - المتبولي، إِبْرَاهِيم بن عَليّ
إِبْرَاهِيم بن عَليّ بن عمر المتبولي، أحد الْمَشْهُورين بالصلاح. مَاتَ سنة سبع وَسبعين وَثَمَانمِائَة.
٨ - السوبيني، برهَان الدّين إِبْرَاهِيم الْحَمَوِيّ
إِبْرَاهِيم بن عمر بن إِبْرَاهِيم القَاضِي برهَان الدّين السوبيني، الْحَمَوِيّ، ثمَّ الطرابلسي، الشَّافِعِي. ولد قبل ثَمَانمِائَة. وَأخذ عَن الشَّيْخ شمس الدّين بن زهرَة وَأخذ عَن الشَّيْخ شمس الدّين الْهَرَوِيّ، والشهاب ابْن المجدي وَغَيرهم. وَولي قَضَاء مَكَّة، وحلب، وطرابلس. وصنف كتبا مِنْهَا: " شرح فَرَائض الْمِنْهَاج " أَرْبَعَة مجلدات " وشروح " أُخْرَى أَرْبَعَة كل مِنْهَا مُجَلد و" الإبهاج فِي لُغَات الْمِنْهَاج " ثَلَاثَة مجلدات و" شرحان على الشَّامِل الصَّغِير " كَبِير، وتوضيح " واقدار الرائض على الْفَتْوَى فِي الْفَرَائِض " و" الألغاز الْكُبْرَى " على تَرْتِيب أَبْوَاب التَّنْبِيه، و" الصُّغْرَى " على تَرْتِيب الْمِنْهَاج، و" شرح على الْمِنْهَاج " شرع فِيهِ و" شرح على التَّمْيِيز " وصل فِيهِ إِلَى الرَّهْن، وكراسة فِي " مسَائِل ينْسب فِيهَا إِلَى السَّاكِت قَول " وَقد وقف عَلَيْهَا الشَّيْخ برهَان الدّين بن خضر فَرد عَلَيْهِ فِيهَا. ولازم
1 / 23
التدريس والإفتاء مَعَ الدّين وَالْخَيْر والعفة، فِي منصب الحكم، وَحسن السِّيرَة. وَمَات فِي ذِي الْحجَّة سنة ثَمَان وَخمسين وَثَمَانمِائَة.
٩ - البقاعي، الْحَافِظ برهَان الدّين إِبْرَاهِيم
إِبْرَاهِيم بن عمر بن حسن الرِّبَاط، بن عَليّ بن أبي بكر البقاعي الشَّافِعِي، برهَان الدّين أَبُو الْحسن، الْعَلامَة الْمُحدث الْحَافِظ. ولد سنة تسع وَثَمَانمِائَة تَقْرِيبًا وَأخذ القراآت عَن ابْن الْجَزرِي وَغَيره، والْحَدِيث عَن الْحَافِظ ابْن حجر، وَالْفِقْه عَن التقي بن قَاضِي شُهْبَة. ولازم القاياتي، والونائي، وَسَائِر الْأَشْيَاخ. وَمهر وبرع فِي الْفُنُون وداب فِي الحَدِيث، ورحل وَسمع من الْبُرْهَان الْحلَبِي، والبرهان الوَاسِطِيّ، والتدمري، وَالْمجد الْبرمَاوِيّ، والبدر البوصيري، وخلقٌ يجمعهُمْ مُعْجَمه الَّذِي سَمَّاهُ " عنوان الزَّمَان بتراجم الشُّيُوخ والأقران ". وَله تصانيف كَثِيرَة حَسَنَة مِنْهَا كتاب " الْجَوَاهِر والدرر فِي مُنَاسبَة الْآي والسور " و" النكت على شرح ألفية الْعِرَاقِيّ " و" النكت على شرح العقائد " ومختصر كتاب الرّوح لِأَبْنِ الْقيم سَمَّاهُ " سر الرّوح " و" القَوْل الْمُفِيد فِي أصُول التجويد " وكفاية الْقَارئ " فِي رِوَايَة أبي عَمْرو و" الإطلاع على حجَّة الْوَدَاع ". وَله ديوَان شعرسماه " أشعار الواعي بأشعار البقاعي ". وشعره كثير، والجيد مِنْهُ وسط فَمِنْهُ قَوْله:
حرف الْهمزَة
1 / 24
وَبِي زركشي أهيف الْقد أحورٌ ... محياه يهزو بالبدور الطوالع تعلم جفني من بَدَائِع حسنه ... فَذهب خدي من دِمَاء مدامعي
وَقَوله:
لَا يروموا مِنْك برا ... ونفيس المَال مخزون
لن تنالوا الْبر حَتَّى ... تنفقوا مِمَّا تحبون
وَقَوله:
وَلما رَأَيْت الْبَدْر ألْقى شعاعه ... على نيل مصرٍ والسفين بِنَا تجْرِي
تخيلته نَهرا يسير بسيرنا ... من الْفضة الْبَيْضَاء فِي لجة الْبَحْر
وَقَوله:
للْعَبد يجْرِي الْأجر بعد الْمَوْت فِي ... تسعٍ كَمَا قَالَ الرَّسُول الْمُصْطَفى
أجراء نهرٍ حفر بئرٍ غرس نخ ... لٍ نشرعلمٍ وَالتَّصَدُّق فِي الشفا
وَبِنَاء بَيت ابْن السَّبِيل ومسجدٍ ... وبتركه ابْنا صَالحا أَو مُصحفا
١٠ - الحدري، التّونسِيّ إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد
إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الحدري، شيخ تونس وعالمها. مولده قبل الْقرن. وَمَات سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ.
1 / 25
١١ - ابْن أبي شرِيف، برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد
إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن أبي بكر بن عَليّ مَسْعُود بن رضوَان المري الْقُدسِي، الشَّافِعِي، قَاضِي الْقُضَاة، برهَان الدّين، بن أبي شرِيف. ولد فِي ذِي الْقعدَة سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة. ودأب فِي الْعلم. وَأخذ عَن الْأَشْيَاخ، كالشيخ جلال الدّين الْمحلي، وَالْعلم البُلْقِينِيّ، والزين البوتيجي، والسعد الديري، وَأبي الْفضل المغربي وَغَيرهم. وبرع فِي الْفُنُون. وتصدى للإقراء والإفتاء. وصنف كتبا مِنْهَا " شرح قَوَاعِد الْإِعْرَاب لإبن هِشَام " و" منظومة فِي القراآت " و" نظم النخبة " وَولي قَضَاء الديار المصرية فِي ذِي الْقعدَة سنة سِتّ وَتِسْعين وَمن شعره:
تحكم فِي قلبِي هواكم أحبتي ... فأنحل جسمي بل أذاب فوآدي
عصيتُ عذولي فِي الْمحبَّة فِيكُم ... وَقلت هم عيشي وكل مرادي
سكنتم سويدا الْقلب يَا خير سادةٍ ... وَمن مقلتي أَيْضا سَواد سوَادِي
جرى عَن دمٍ دمعي فَأشبه عِنْدَمَا ... لطول صدودٍ مِنْكُم وبعادِ
سقاني الْهوى صرفا كوءوس محبَّة ... فأشربها قلبِي ليَوْم معادي
فبالله منوا أَو عدوني بوصلكم ... فَإِنِّي الْمُحب المستمر ودادي
١٢ - الديري، برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد
إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن عبد الله بن سعد بن أبي بكر بن مصلح بن أبي
1 / 26
بكر بن سعد الدّين الديري، الْحَنَفِيّ، قَاضِي الْقُضَاة، برهَان الدّين، ابْن قَاضِي الْقُضَاة، شمس الدّين، ولد سنة عشر وَثَمَانمِائَة. وَسمع على وَالِده، والشرف ابْن الكويك. وَأَجَازَ لَهُ وتفقه، وبرع، وتفننن. وَولي نظر الأسطبل ثمَّ كِتَابَة السِّرّ، ثمَّ مشيخة الموءيدية، ثمَّ قَضَاء الْحَنَفِيَّة. مَاتَ فِي سنة سِتّ وَسبعين وَثَمَانمِائَة.
١٣ - النَّاجِي، برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد
إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن مَحْمُود، الدِّمَشْقِي، الشَّيْخ برهَان الدّين، الْمَعْرُوف بالناجي، لكَونه تمذهب شافعيًا بعد ان كَانَ حنبليًا، مُحدث دمشق الْآن. ولد سنة عشر وَثَمَانمِائَة. وَأخذ الْفَنّ عَن الْحَافِظ بن نَاصِر الدّين وَغَيره. وَله تصانيف حَدِيثِيَّةٌ مَعَ الدّين وَالْخَيْر. كتب إِلَيّ بعض أَصْحَابِي من دمشق مطالعة يذكر فِيهَا، إِن النَّاجِي هَذَا اعْترض عَليّ فِي شَيْئَيْنِ: أَحدهمَا إفتائي إِن وَالِدي رَسُول الله ﷺ فِي الْجنَّة، وتصنيفي فِي ذَلِك الْكتاب الَّذِي ألفته سنة سبع وَثَمَانِينَ، وسميته " التَّعْظِيم والْمنَّة فِي أَن وَالِدي الْمُصْطَفى فِي الْجنَّة " وَقَالَ إِن الحَدِيث الْوَارِد فِي أحيائهما ذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي " الموضوعات ". قَالَ كَاتب المطالعة: وجدت التصنيف الْمَذْكُور، وَذَهَبت إِلَيْهِ لنَنْظُر جَوَابه فِيهِ، فَلَقِيت بعض طلبته فِي الطَّرِيق فَذكرت لَهُ مَا أَنا قَاصد إِلَيْهِ. فَقَالَ لي: دَعْنِي أَنا ُأكَلِّمهُ فَإِن عِنْده حِدة. قَالَ: فَذَهَبت مَعَه إِلَيْهِ. فَقَالَ: اعترضتم على فلَان بِكَذَا وَكَذَا، فَقَالَ نعم. فَقَالَ " أَن شيخكم الْحَافِظ ابْن نَاصِر
1 / 27
الدّين قد ذهب إِلَى مثل ذَلِك، وَمَشى على أَن الحَدِيث غير مَوْضُوع، وَإِنَّمَا هُوَ ضَعِيف فَقَط، وَذكر لَهُ الأبيات الثَّلَاثَة الَّتِي ذكرهَا ابْن نَاصِر الدّين فِي كِتَابه الْمُسَمّى " مورد الصادي فِي مولد الْهَادِي ". قَالَ كَاتب المطالعة: فَسلم حِينَئِذٍ لما سمع كَلَام شَيْخه وَالثَّانِي أَنه رأى فِي " ألفيتي " الَّتِي " فِي الحَدِيث ": مُحَمَّد بن أتش الصَّنْعَانِيّ " بِالتَّاءِ والشين بِلَا تواني ". فَقَالَ: هَذِه رِوَايَة ضَعِيفَة فِي بعض نسخ البُخَارِيّ، وَالصَّحِيح أَنه مُحَمَّد بن أنس بالنُّون وَالسِّين. قَالَ كَاتب المطالعة: فَقلت لذَلِك الطَّالِب: الْحق مَا ذكره فلَان، يُرِيدنِي قَالَ: وَقد ذكر ذَلِك ابْن الْجَوْزِيّ فِي " التَّنْقِيح ". ثمَّ قَالَ: أَنا اذْهَبْ إِلَيْهِ وأذكر لَهُ ذَلِك. فَذَهَبت مَعَه. فَقَالَ لَهُ: يَا سَيِّدي اعترضتم على فلَان بِكَذَا وَكَذَا. قَالَ: نعم. قَالَ فَإِن ابْن الْجَوْزِيّ قد ذكر هَذَا بِعَيْنِه فِي " التَّنْقِيح " وَأرَاهُ لَهُ. فَقَالَ النَّاجِي: يَنْبَغِي أَن نصلح نسختنا من البُخَارِيّ. انْتهى.
قلت: وَهَذَا مِنْهُ دَلِيل على عدم حفظه وتحقيقه، فَإِن مُحَمَّد بن أنس الَّذِي فِي البُخَارِيّ الصَّحِيح فِيهِ أَنه بالنُّون وَالسِّين كَمَا ذكر أَو لَا فِي أعتراضه، وَلَيْسَ هُوَ الصَّنْعَانِيّ الَّذِي ذكرته فِي الألفية، بل هُوَ رجل آخر غَيره. وَلَو تَأمل نفس الألفية عرف ذَلِك مِنْهَا. فَإِنِّي ذكرت فِيهَا مَا يتَعَلَّق بِصَحِيح البُخَارِيّ وَحده وَمَا يتَعَلَّق بِغَيْرِهِ. فَإِذا لم يهتد لذَلِك، فَكَانَ يَهْتَدِي إِلَيْهِ فِي قولي الصَّنْعَانِيّ. فَإِن مُحَمَّد بن إتش الصَّنْعَانِيّ لَا رِوَايَة لَهُ فِي البُخَارِيّ، وَهُوَ بِالتَّاءِ والشين بِإِجْمَاع أهل الحَدِيث، لَا خلاف بَينهم فِي ذَلِك. وَلِهَذَا أَشرت إِلَى عدم الْخلاف فِيهِ بِقَوْلِي: " بِلَا تواني ". وَأما الَّذِي فِي البُخَارِيّ فَهُوَ مُحَمَّد بن أنس الْكُوفِي. وَفِيه الْخلاف. فبعضهم قَالَ: هُوَ بِالتَّاءِ والشين كالصنعاني، وَالْجُمْهُور قَالُوا هُوَ بالنُّون وَالسِّين كالجادة، وَهُوَ الصَّحِيح. وَقد بَين ذَلِك حَافظ الْعَصْر أَبُو الْفضل ابْن حجر فِي كِتَابه " المشتبه " وَفِي " مُقَدّمَة شرح البُخَارِيّ ". انْتهى. مَاتَ النَّاجِي فِي رَمَضَان سنة تِسْعمائَة.
1 / 28
١٤ - اللَّقَّانِيّ، برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد
إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عمر بن عَطِيَّة بن يُوسُف بن جميل، اللَّقَّانِيّ، الْمَالِكِي، قَاضِي الْقُضَاة، برهَان الدّين. ولد فِي صفر سنة سبع عشرَة وَثَمَانمِائَة. وَسمع الحَدِيث على الزَّرْكَشِيّ. وتفقه وبرع، ودرس، وَأفْتى، وَولي قَضَاء الْمَالِكِيَّة، وتدريس التَّفْسِير بالبرقوقية. مَاتَ فِي الْمحرم سنة سِتّ وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة.
١٥ - الكركي، برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن مُوسَى
إِبْرَاهِيم بن مُوسَى بن بِلَال بن عمر بن مَسْعُود بن دمج، الشَّيْخ برهَان الدّين الكركي، الشَّافِعِي، الْمُقْرِئ. ولد سنة سِتّ وَسبعين وَسَبْعمائة. وتلى بالسبع على التقي الْعَسْقَلَانِي، إِمَام جَامع ابْن طولون والبرهان الشَّامي، وَغَيرهمَا. وَأَجَازَ لَهُ الْحَافِظ زين الدّين الْعِرَاقِيّ. وَسمع البُخَارِيّ على الْبُرْهَان بن صديق، وَحضر دروس السراج البُلْقِينِيّ، واشتغل فِي الْفِقْه، والنحو وَغَيرهمَا من الْفُنُون على الْبَدْر الطنبدي، وَالْوَلِيّ الْعِرَاقِيّ، والبرهان البيجوري، وَالشَّمْس الْبرمَاوِيّ، وَابْن الهائم وَغَيرهم. أثنى عَلَيْهِ البقاعي فِي مُعْجَمه فَقَالَ: كَانَ إِمَامًا عَالما، بارعًا، مفننًا، متضلعًا من الْعلم. كَانَ الشَّيْخ تَاج الدّين يَقُول: مَا وعيت الدُّنْيَا إِلَّا وَالشَّيْخ برهَان الدّين يشار إِلَيْهِ فِي الْعُلُوم. وصنف كتبا مِنْهَا: " الْإِسْعَاف فِي معرفَة الْقطع والإستئناف " و" لَحْظَة الطّرف فِي معرفَة الْوَقْف " و" نكت على الشاطبية " و" الْآلَة فِي معرفَة الْوَقْف والأمالة " و" حل الرَّمْز فِي وقف حَمْزَة
1 / 29
وَهِشَام على الْهَمْز " و" درة الْقَارئ الْمجِيد فِي أَحْكَام الْقِرَاءَة والتجويد " و" شرح ألفية ابْن مَالك " و" إِعْرَاب الْمفصل " من الحجرات إِلَى آخر الْقُرْآن و" مرقاة اللبيب إِلَى علم الأعاريب " و" نثر الألفية " و" شرح فُصُول ابْن معطي " و" مُخْتَصر الورقات " و" حَاشِيَة على تَفْسِير القَاضِي عَلَاء الدّين التركماني " و" توضيح على مولدات ابْن الْحداد " و" مُخْتَصر الرَّوْضَة " و" شرح تَنْقِيح اللّبَاب " للعراقي وَغير ذَلِك. مَاتَ فِي رَمَضَان سنة ثَلَاث وَخمسين وَثَمَانمِائَة.
١٦ - أَبُو ذَر الْحلَبِي، موفق الدّين أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد
أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن خَلِيل الطرابلسي الأَصْل الْحلَبِي الشَّافِعِي، الإِمَام البارع الأديب مُحدث حلب، موفق الدّين أَبُو ذرٍ، ابْن الإِمَام الْعَالم الْحَافِظ، برهَان الدّين أبي الوفا سبط ابْن العجمي. ولد سنة ثَمَانِي عشرَة وَثَمَانمِائَة. وَأخذ الْفَنّ عَن وَالِده، والحافظ ابْن نَاصِر الدّين، والحافظ ابْن حجر. وَسمع وَكتب، وَجمع مجاميع، وتولع بنظم الْفُنُون حَتَّى برع فِي الْأَدَب، وَصَارَ بِأَخْذِهِ هُوَ الْمشَار إِلَيْهِ فِي الحَدِيث بحلب. وَرَأى مَعَ رجل هُنَاكَ كتابي " بزوغ الْهلَال فِي الْخِصَال الْمُوجبَة للضلال " فَكَتبهُ بِخَطِّهِ وَهُوَ فِي الشيوخة. مَاتَ فِي ذِي الْقعدَة سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة. وَله مواليا:
عارضك وَالْخَال ذَا مسكي وَذَا ندي ... واللحظ وَالْقد ذَا خطي وَذَا هندي
وَالشعر وَالْفرق ذَا وَصلي وَذَا صدي ... والخد والثغر ذَا حري وَذَا بردي
1 / 30
وَقَالَ:
عني تسليت، وأسياف الجفا سليت ... مني تخليت، فِي قلبِي غصص خليت
قَتْلِي استحليت، فِيهِ النَّحْر مَا حليت ... فِي الْقلب حليت، مري بالوصال حليت
١٧ - الْعَسْقَلَانِي، عز الدّين أَحْمد بن إِبْرَاهِيم
أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن نصر الله بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أبي الْفَتْح بن هَاشم بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن نصر الله بن أَحْمد الْكِنَانِي الْعَسْقَلَانِي الأَصْل، الْمصْرِيّ، الْحَنْبَلِيّ، شَيخنَا قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين، أَبُو البركات، بن قَاضِي الْقُضَاة، برهَان الدّين، بن قَاضِي الْقُضَاة نَاصِر الدّين. ولد فِي ذِي الْقعدَة سنة ثَمَانمِائَة. وَسمع على خَاله الْجمال الْكِنَانِي، والشرف ابْن الكويك، وَخلق. وَأَجَازَ لَهُ الْحَافِظ زين الدّين الْعِرَاقِيّ، قَاضِي طيبَة زين الدّين المراغي، وَعَائِشَة بنت عبد الْهَادِي، وَغَيرهم. وَأَقْبل على الْعلم فتفقه على قَاضِي الْقُضَاة مجد الدّين سَالم، وقاضي الْقُضَاة محب الدّين بن نصر الله الْبَغْدَادِيّ، وَأخذ سَائِر الْفُنُون عَن الشَّيْخ عبد السَّلَام الْبَغْدَادِيّ وَغَيره. وَمهر وتميز فِي الْفُنُون. وانتهت إِلَيْهِ رياسة الْحَنَابِلَة. وَولي التدريس بغالب الْمدَارِس الْعَظِيمَة، كالجامع الطولوني، وَالْجَامِع الحاكمي، ومدرسة السُّلْطَان حسن، والشيخونية، والجمالية، والموءيدية، والأشرفية وَغَيرهَا. ثمَّ ولي قَضَاء الْقُضَاة بعد موت الْبَدْر الْبَغْدَادِيّ،
1 / 31