Théorie de l'évolution et origine de l'homme
نظرية التطور وأصل الإنسان
Genres
وكانت النار أيضا سببا في انتشار الإنسان في الأصقاع الباردة البعيدة التي لم يكن ليطيق المعيشة فيها لولا النار؛ فالإنسان - مثلا - لم ينتشر في أميركا إلا بعد أن جاز تلك الأصقاع الباردة في شمال آسيا وأمريكا، وهو لم يكن ليستطيع ذلك لولا النار.
وكانت النار أيضا سلاحا يمنع الوحوش عن مهاجمة الإنسان في الليل، وللنار فائدتان أخريان: الأولى تهيئة الطعام، والثانية صهر المعادن للصناعة من لوازم الحضارة العصرية، ونحن إنما نصف حال الإنسان في البداوة الأولى، أما الطعام فيجب أن نقول فيه كلمة لعلاقته بالنار.
فطعام الإنسان في الأزمنة القديمة لم يكن يختلف عن طعام القردة العليا الآن ، فكان يتألف من بعض الأثمار والجذور وما يسنح من حشرة أو خشاش؛ كالجراد أو العظاء، وإذا اعتبرنا أسنان الإنسان وقناته الهضمية، وحياته القديمة في الأشجار، حكمنا بأنه نباتي في أكثر طعامه، حيواني في أقله؛ وخاصة إذا علمنا أن نحو أربعة أخماس البشر يقتاتون بالنبات الآن.
فكيف إذن عرف الإنسان اللحم واعتاد أكله؟
يغلب على الظن أن الأصل في ذلك هو رغبة الإنسان في تحقيق غاية سحرية، هي الحصول على قوة الحيوان الذي يأكله، ومن هنا أيضا عادة أكل البشر؛ فإن هذه العادة نشأت أولا لرغبة الإنسان في الحصول على قوة الرجل المقتول أو الميت، بأن يؤكل قلبه أو دماغه أو أي عضو آخر، بحيث يصير الآكل شجاعا جريئا مثل الرجل المقتول المأكول، وقد صارت هذه العادة سببا بعد ذلك في الاعتقاد بتقمص الأرواح الذي صار عنصرا مهما في بعض الأديان الكبرى؛ لأن منطق السحر يقول إني حين آكل رجلا إنما أتقمص روحه أيضا.
فلما فشا هذا الاعتقاد بين جماعات الإنسان الأولى عمدوا إلى صيد الحيوانات الكبرى؛ كالفيل والأسد، بغية أن يأكلوا شيئا من لحمها حتى يحصلوا على قوتها، وما زال بعض الفلاحين عندنا يعتقدون أن من يأكل قلب ذئب يصير قويا كالذئب، ويجب أن لا ننسى أن صيد الحيوان كان سهلا في الأزمنة القديمة؛ لأن الحيوان لم يكن قد تعود الخوف من الإنسان، وإنما صار الخوف كالغريزة فيه بعدما ألح الإنسان في صيده.
ولا بد أن نفرض أن الإنسان كان يأكل أعضاء هذه الحيوانات مع الاشمئزاز الذي يشعر به كل منا عندما يأكل طعاما جديدا لم يألفه، أو كان محرما عليه بحكم الدين أو العرف.
وكانت النار إذا شبت وقت القيظ في الغابات يحترق فيها بعض الحيوان ويموت، فيجد الإنسان الفرصة سانحة لأن يأكل بعض أعضائها، ولا بد أنه كان في هذه الحال يستمرئ طعم لحمها المشوي فينتبه إلى شي الطعام بالنار ويضري عليه.
وإذا أراد الأستراليون أن يشووا كنغرا وضعوه في النار بدون أن يبقروا بطنه أو يستخرجوا أمعاءه ، فإذا انفتح بطنه بالغازات بقروه بسكينهم الحجرية (الظر) وأكلوه؛ ولذلك يجب أن نعتبر الشي أول ضروب الطهي التي عرفها الإنسان؛ لأنه لم يكن قد عرف الآنية بعد.
والمتوحشون الذين لا يعرفون للآن كيفية صنع الفخار يستعملون قحف الرأس في الإنسان لحمل السوائل، أو يستعملون القرعة بعد إفراغها من اللب، وهم لا يمكنهم أن يضعوا مثل هذه الآنية على النار؛ ولذلك يضعون فيها اللحم والماء، ثم ينقلون الحجارة المحماة ويضعونها في القرعة أو القحف فيسخن الماء وينضج اللحم.
Page inconnue