Théorie de la connaissance et la position naturelle de l'homme
نظرية المعرفة والموقف الطبيعي للإنسان
Genres
وسنحاول هنا أن نختبر بعض أمثلة الحالات التي انتقد فيها الموقف الطبيعي لعجزه عن الوصول إلى الصورة العلمية للعالم، مع أن هذا العجز أمر لا مفر منه، وهو جزء من كيان الموقف الطبيعي المستقل عن العلم: (1)
ففي كتاب «ديالكتيك القرن العشرين» يتحدث «فورستنبرج» عن المثال الذي ضربه العالم الإنجليزي «إدنجتن» عن المنضدة التي نعرفها من جهة كشيء نكتب عليه، ويعرفها لنا العلم من جهة أخرى كمجموعة لا متناهية من الجسيمات والموجات ... إلخ، فيقول عن هذين التفسيرين:
إن أحدهما صادر عن الأطفال وأنصاف المتمدينين، والآخر راجع إلى ملاحظة بصرية بلغت مستوى رفيعا من الإحكام العقلي والدقة الرياضية ... فنحن هنا إزاء تفسيرين ناتجين عن الملاحظة وردا إلينا من عصرين مختلفين من عصور مدنيتنا؛ فما أعجب هذه النقيضة!
26
في هذا النص نجد مثالا لمفكر يعد الموقف الطبيعي مرتبطا ب «الأطفال وأنصاف المتمدينين» فحسب، ولست أدري كيف يتصرف هذا المفكر ذاته في حياته العلمية إزاء ما لديه من مناضد! وهو يصف الموقف الطبيعي والموقف العلمي بأنهما راجعان إلى «عصرين مختلفين»، وكأن الإنسان في عصرنا العلمي هذا يستطيع أن يستغني تماما عن فكرة «الشيء»، ويعامل المنضدة في جميع تجاربه - بما فيها تجارب الحياة اليومية - على أنها مجموعة من الدقائق والجسيمات! (2)
وفي كتاب «العلم الفيزيائي» يقول «بلانشيه»:
إن الإصلاح الذي أحدثه تطبيق طريقة التفكير الرياضية على فهمنا للواقع يقترن إذن بتغير أساسي في نظرتنا إلى الواقع وعلاقته بالروح، فلم يعد الواقع نقطة بداية، بل أصبح حدا نهائيا للمعرفة، ولم يعد يعطي للحساسية عن طريق صفات جوهر، بل إن العقل هو الذي يركبه بأن يجعل منه نسقا من العلاقات، وهكذا تتحقق في ميدان المعرفة وميدان الوجود تلك الثورة «الكبرنيكية» التي قدم إلينا كانت التعبير الفلسفي عنها؛ فالأشياء من الآن فصاعدا هي التي تدور حول الروح بما لهذه من جاذبية.
27
مثل هذا التصوير لتطور العلم قد يبدو في ظاهره صحيحا، غير أن الخطأ الذي ينبغي أن ننبه إليه هو أن هذا النوع من التفكير يصور الأمور كما لو كان من الواجب أن تختفي تلك الصفات الحسية التي تقدم إلينا الواقع اختفاء تاما، فلا يعود هناك مجال إلا لنسق العلاقات الرياضية التي يكونها العقل، ولكن الواقع أنه إذا كانت قد حدثت في مجال العلم «ثورة كبرنيكية» فإن هذه الثورة لم تقض على «النظرة البطليموسية» التي لا تزال قائمة في مجال الموقف الطبيعي، والتي لا يمكن أن يغير منها تطور العلم. (3)
ففي المثلين السابقين إذن تعبير عن الاعتقاد الخاطئ بأن تطور المنهج العلمي الحديث يؤدي إلى تغيير «كامل» في نظرة الإنسان إلى العالم، وكأن الموقف الطبيعي هنا يحاسب على عدم مجاراته لتقدم العلم، الذي يظن أنه يؤدي إلى رفض الأول تماما، ومثل هذا الخطأ ناتج - بلا شك - من عدم التنبه إلى اختلاف وظيفة كل من الموقفين.
Page inconnue