النظرات أشياء أربعة أنا ذاكرها لعل المتأدب يجد في شيء منها ما ينتفع به في أدبه:
"أولها" أني ما كنت أحتفل من بين تلك الأحاديث الثلاثة بحديث اللسان ولا حديث العقل، أي: إنني ما كنت أتكلف لفظا غير اللفظ الذي يقتاده المعنى ويتطلبه، ولا أفتش عن معنى غير المعنى الطبيعي القائم في نفسي، بل كنت أحدث الناس بقلمي كما أحدثهم بلساني، فإذا جلست إلى مكتبتي خيل إلي أن بين يدي رجلا من عامة الناس مقبلا علي بوجهه، وأن من أشهى الأشياء وآثرها في نفسي أن لا أترك صغيرا ولا كبيرا مما يجول بخاطري حتى أفضي به إليه، فلا أزال أتلمس الحيلة إلى ذلك، ولا أزال أتأتى إليه بجميع الوسائل وألح في ذلك إلحاح المشفق المجد حتى أظن أني قد بلغت من ذلك ما أريد، فلا أقيد نفسي بوضع مقدمة الموضوع في أوله، ولا سرد البراهين على الصورة المنطقية المعروفة، ولا التزام استعمال الكلمات الفنية التزاما مطردا إبقاء على نشاطه وإجمامه وإشفاقا عليه أن يمل ويسأم فينصرف عن سماع الحديث أو يسمعه فلا ينتفع به.
"وثانيها" أني ما كنت أحمل نفسي على الكتابة حملا، ولا أجلس إلى مكتبتي مطرقا مفكرا: ماذا أكتب اليوم،
1 / 47