فإن الذي يحمل في صدره قلبا رحيما، مشفقا على الذئاب من الجوع، مستعظما أن يخلفها ما عودها إياه من طعام وشراب لا يمكن أن يكون هو نفسه ذئبا ضاريا يريق دماء الناس، ويمزق أحشاءهم، ويقطع أوصالهم؛ ليملأ بها بطون الوحش، ولا يوجد بين الأسباب التي تحمل الناس على القتال سبب يشبه هذا السبب الذي ذكره، على أن المحسن لا يكون محسنا إلا إذا وهب ما يهب من ماله، ومن خزائن بيته، فأما أن يقتل الناس تقتيلًا، ويمثل بهم ثم ينعم بجثثهم على الجائعين والظماء من وحوش الأرض وذئابها فذلك شيء هو بالجنون أشبه منه بالإحسان.
أو يقول:
لا يذوق الاغفاء إلا رجاء ... أن يرى طيف مستميح رواحا
فإن النوم قوام الإنسان وعماد حياته، ولازم من لوازمه اللاصقة به، أراد ذلك أم لم يرد، فإن كان لا بد من دخوله في باب الاختيار، فإن من أبعد الأشياء عن التصور والفهم أن يكون ما يحمل الإنسان على طلب النوم رجاؤه أن يرى فيه الأحلام والرؤى، فإن فعل فلا يدخل في باب أغراضه وأمانيه أن ينام ليرى خيال جماعة المتسولين والمتأكلين، وهم ملء الأرض وهباء الجو، وأرصاد الأعتاب، وأعقاب الأبواب، لا تنفتح الأعين
1 / 43