للغوي، وهم على ذلك عندي أدخل في باب البيان، وألصق به، وأمسّ به رحمًا من أولئك الذين يستظهرون متون اللغة، ويحفظون دقائقها، ويحيطون بمترادفها ومتواردها ويتباصرون بشاذها وغريبها ويحملون في صدورهم ما دق وجل من مسائل نحوها وتصريفها، فإذا عرض لهم غرض من الأغراض في أي شأن من شؤون حياتهم، وأرادوا أنفسهم على الإفضاء به ارتج عليهم فأغلقوا، أو تقعروا وتشدقوا، فكأنهم لم ينطقوا، والفرق بين الأدباء واللغويين أن الأولين كاتبون، والآخرين مصححون، فمثلهما كمثل النساج وعامله، هذا ينسج الثوب، وهذا يلتقط زوائده ويمسح عنه زئبره١ أو كمثل الشاعر والعروضي، هذا ينظم الشعر وهذا يعرضه على تفاعيله وموازينه، وليس البيان ذهاب كلمة، ومجيء أخرى، ولا دخول حرف وخروج آخر، وإنما هو النظم والنسق والانسجام، والإطراد والماء والرونق واستقامة الغرض وتطبيق المفصل، والأخذ بالنفوس، وامتلاك أزمة الهواء، فإن صح ذلك لامرئ، فهو الكاتب القدير، أو الشاعر الجليل، فإن زلت به قدم في وضع حرف مكان حرف، أو غلبه على لسانه دخيل، أو خرج من يده أصيل، أو كان ممن يفوته العلم ببعض القواعد
_________
١ الزئبر ما يظهر من درز الثوب.
1 / 36