بعض تلك المشاهد منشأها في قلبي، فقد كنت رجلا لا أحب الكذب، ولا أحمل نفسي عليه ما وجدت منه بدًا، فأبغضت الكاذبين بغض الأرض للدم، فكان من همي أن أقاتلهم على الصدق قتالا مستحرا حتى أصل بهم إلى إحدى الحسنيين، إما أن يكونوا صادقين، وإما أن يعلم الناس أنهم كاذبون، وكنت إنسانا بائسا لم يترك الدهر سهمًا من سهامه النافذة لم يرمني به، ولا جرعة من كؤوس مصائبه ورزاياه لم يجرعني إياها، فقد ذقت الذل أحيانا، والجوع أياما، والفقر أعواما، ولقيت من بأساء الحياة وضرائها مالم يلق بشر، فشعرت بمرارة الحياة في أفواه المساكين، ورأيت مواقع سهام الدهر في أكباد البائسين والمنكوبين، فكان من همي أن أبكي كل بائس، وأندب كل منكوب، وأطلب رحمة القوي للضعيف، والغني للفقير، والعزيز للذليل، وقُدِّر لي فيما مر بي من أيام حياتي أن رأيت بعيني من وقفت بين يديه امرأة ذليلة تبكي وتضرع إليه أن يرضخ لها بقليل من المال؛ لتستعين به على ستر ما كشف ابنه من سوأة ابنتها، فأبى ذلك عليها، وقال لها وهو يحسب أنه يعلم ما يقول: أيتها المرأة لا حق لابنتك عندي، ولا عند ولدي فلم يكن حظه منها فيها كان من أمرهما بأكبر من حظها منه: ورأيت من تزوج
1 / 26