أنه يرسم صورة غير الصورة التي تتلجلج في نفسه، أو أنه لغوي يفر من ضعف أسلوبه، وفساد نظمه إلى أكمة من الألفاظ الغريبة والتراكيب المستوعرة يكمن وراءها، أو ناقل يتخذ الكتابة حقيبة يحشوها بالمسائل العلمية أو الوقائع التاريخية حشوا، أو مترجم ينقل عن اللغة الأعجمية التي يعرفها آراء علمائها وخيالات شعرائها، وكأنما هو صاحبها، أو شعرت أنه قد مر بخاطره، وهو ينطق بكلمته أن يكون بليغا فيها أو مبدعا ليعجب الناس منها، كان لكل حظه مني أن أعرف له قدره في العلم، ومنزلته من الذكاء والفهم، إن أحسن فيما يقول، ولكنني لا أعده كاتبا ولا شاعرا؛ لذلك كان أغزل الغزل عندي غزل العاشقين، وأفضل الرثاء رثاء الثاكلين، وأشرف المدح مدح الشاكرين، وخير العظات عظات المخلصين، وأجمل البكاء بكاء المنكوبين، وأحسن الهجاء هجاء الصادقين، وأبرع الوصف وصف الرائين المشاهدين.
ولا أدري ما الذي كان يعجبني في مطالعاتي من شعر الهموم والأحزان، ومواقف البؤس والشقاء وقصص المحزونين والمنكوبين خاصة، فقد كان يعجبني كل العجب ويبكيني أحر البكاء، وأشجاه شقاء المهلهل في الطلب بثأر أخيه، وشقاء
1 / 16