ثم تأمّلت حديث تفترق أمتي على ثلاث وسبعين، وأنه ﷺ لما آخى بين الصحابة وذكر له الأنصار أنهم شاطروا المهاجرين ذكر ذلك الحديث أثره، فقلت: إن الذي هو عليه وأصحابه الإيثار والمشاطرة، فعقدت مع اللَّه نية أن لا يأتيني بشيء إلا شاطرت فيه الفقراء، فبقيت عليه عشرين سنة، فأثمر في حكم المخاطر، فلا يحكم خاطري بشيء إلا صدق.
فلما أكملت أربعين سنة تدبرت الآية، فإذا العدل هو الشطر، والإحسان زائد عليه، فعقدت نية أن لا يأتيني قليل ولا كثير إلا أعطيت ثلثيه للَّه ﷿ فعملت عليه عشرين سنة فأثمر في الحكم بالولاية والعزل فأولي من شئت وأعزل من شئت.
ثم نظرت بعد في أول ما فرضه على عباده في مقام الإحسان فوجدته شكر النعمة، بدليل إخرل الفطرة على المولود قبل أن يفهم، ووجدت أصناف من يعطي الصدقة الواجبة سبعة، وسبعة أخر صرفها فيها للإحسان والزيادة، وذلك أن لنفسك عليك حقًا ولزوجك حقًا وللرحم حقًا وللضيف حقًا ولليتيم حقًا، وذكر صنفين آخرين، فانتقلت لهذه الدرجة وعقدت معه تعالى عقدًا في إمساك سبعة حق النفس والزوجة، وصرف الخمسة الأسباع لمستحقيها، فأقمت عليه أربعة عشر عامًا فأثمر في الحكم في السماء فإذا قلت يا رب قال لي لبيك، ثم قال لي: نهايتي بتمام عمري بعد ستة أعوام تكملة عشرين عامًا. قال الصنهاجي: فأرّخت ذلك اليوم فلمّا مات وحضرت جنازته تذكرت التاريخ وحققت العدد، فنقصت من الستة الأعوام ثلاثة أيام، فيحتمل كونه من الشهور الناقصة.
قال أبو بكر بن مساعد: جاء بعض السلاطين إلى أبي العباس وهو راكب فقال له: إلى متي تحيّرنا ولا تصرّح لنا عن الطريق؟ فقال له: هو الإحسان، فقال له: بيّن لي، فقال له: كل ما أردت أن يفعله اللَّه معك فافعل مع عبيده. وقال له أبو الحسن الجنان: أما ترى ما فيه الناس من القحط والغلاء؟ فقال له: إنما حبس المطر عليهم لبخلهم، فلو تصدقوا لمطروا
1 / 71