Nathr al-Wurud Sharh Ha'iyyat Ibn Abi Dawud
نثر الورود شرح حائية ابن أبي داود
Maison d'édition
مركز النخب العلمية
Numéro d'édition
الرابعة
Année de publication
١٤٣٩ هـ - ٢٠١٨ م
Genres
ومن فهم هذا فهم سِرَّ اقتران قوله تعالى: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ﴾ [الأنعام: ٣٨]
بقوله تعالى: ﴿وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الأنعام: ٣٧]، وكيف جاء ذلك في معرض جوابهم عن هذا السؤال والإشارة به إلى إثبات النبوة، وأن من لم يهمل أمر كل دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه بل جعلها أممًا وهداها إلى غاياتها ومصالحها، كيف لا يهديكم إلى كمالكم ومصالحكم، فهذه أحد أنواع الهداية وأعمها. النوع الثاني: هداية البيان والدلالة والتعريف لنجدي الخير والشر، وطريقي النجاة والهلاك، وهذه الهداية لا تستلزم الهدى التام، فإنها سبب وشرط لا موجب؛ ولهذا ينتفي الهدى معها، كقوله تعالى: ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى﴾ [فصلت: ١٧]، أي: بينا لهم وأرشدناهم ودللناهم فلم يهتدوا، ومنها قوله: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الشورى: ٥٢].
النوع الثالث: هداية التوفيق والإلهام: وهي الهداية المستلزمة للاهتداء فلا يتخلف عنها، وهي المذكورة في قوله: ﴿يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [فاطر: ٨].
وفي قوله: ﴿إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ﴾ [النحل: ٣٧]، وفي قول النبي ﷺ: «مَنْ يَهْدِهِ الله فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ» (١)، وفي قوله تعالى: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ﴾ [القصص: ٥٦].
فنفى عنه هذه الهداية، وأثبت له هداية الدعوة والبيان في قوله: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الشورى: ٥٢].
_________
(١) أخرجه مسلم (٢/ ٥٩٣) رقم (٨٦٧)، من حديث جابر ﵁.
1 / 22