ومن ذلك ما وقع لبعض الصوفية، من قولهم: أنا هو، وهو أنا، مما يوهم الاتحاد، والحلول، وهذا لا يجوز اتباعهم فيه، ولا يجوز لأحد أن يسلم لقائله حالة سماعه وإن ساغ له تأويله بعد وقوعه، وانقراضه، بما يوافق الحق، مع إقامة رسم الشرع فيه، وإن صح له اعتقاد قائله مسلما ونحوه وقد قتل الحلاج بإجماع أهل زمانه إلا أبا العباس بن سريج، فإنه قال: لا أدري ما أقول، وأخرج بسببه جماعة عن بلدانهم، ولم يكن ذلك قادحا فيهم، ولا في مخرجهم، ولا المنكر عليهم.
وقد وقع كثير من هذا النوع، كابن الفارض، وابن العربي، والششتري، وابن سعبين، مع إمامتهم، في العلم، وظهورهم بالديانة، فليتق المؤمن ذلك، مشفقا على دينه، فارًّا من موارد الغلط، راجعا لأصول الاعتقاد، قائما مع الحق بالكلام في القول لا في القائل وقائلا في مثل أولئك القوم: ما كان من قولهم موافقا للكتاب والسنة، فأنا أعتقده، ومالا فأنا أكل علمه إلى أربابه منزها قلبي عن اعتقاد ظاهره، وإياهم كذلك وقد نص على ذلك الشيخ ولي الدين العراقي في أجوبة المكيين فانظره.
ومن ذلك، قول: ياهو، في استغاثته بالله وندائه، لما في ذلك من الإيهام والتسوي، وعلل أخرى ذكرها النحاة، وغيرهم.
ومن ذلك إطلاق: شيء، وعين، وثابت، وحق، وذات، وغير ذلك من الأسماء المقتضية لإثبات الذات أو الصفات الخارجة عن الأسماء الحسنى التي لا تشعر بالأدب والافتقار، وإنما يجوز إطلاق هذه في باب التعليم.
كما أنه لا يجوز: ياهو، إلا إلى رجل استغرق في التعظيم، حتى لم يبق من رسومه غير الإشارة، ولم يجد حاله إلا في الإبهام، وهذا محكوم عليه، فيسلم له، كما نص عليه أئمة هذا الشأن، والله أعلم وبه التوفيق.
ومن ذلك قول الرجل لمن يعذله، ويلومه على تفريطه: ما وفقت لذلك، وهذه كلمة حق أريد بها باطل، وهو كقول الكفار (لَو شاءَ اللَهُ ما أَشرَكنا) يريدون الاحتجاج لأنفسهم بالقدر، فلو قالوا على جهة الأدب لكان حسنا، إذ لو شاء الله لهداهم أجمعين، وإنما كانوا في ذلك مذمومين، لقصدهم نقض الحكم بنفي الأسباب، رجوعا للقدر. وليس وصفة تعالى بالحكيم، بأولى من وصفه بالقدير، ولا بالعكس، فالقيام مع جهة تعطيل للأخرى.
ومن ذلك قول الرجل لمن يسأله عن حاله السيىء كيف هو؟ أن يقول: كيف قدر الله فينسب القبيح إلى الله مولاه، من غير احتشام، ويتسخط قضاءه، إذ يرد ذلك إليه، بإشعار الغبن، حتى كأن الله لم يقدر، إلا ذلك.
ومن ذلك، قول بعضهم لمن يساله عن حاله: بخير من الله، بشر من نفسي، وهذا إشعار باعتقاد الفاعلية، وإن كان أدبا، والاكتشافء بقوله: بخير كاف في الجواب، والمؤمن بخير على كل حال، كما قال رسول الله ﷺ.
ومن ذلك قول بعضهم لمن يسأله عن حاله:
أقولُ بِخَيرٍ وَلَكِنّهُ ... كَلامٌ يَدورُ عَلى الأَلسنِ
وهذا أيضا جمع إساءة الأدب مع الله بعدم الرضا بما آتاه، والتعرض للشكوى بما يرد عليه منه. وتتبع ذلك يطول، وقد شفا فيه الغليل ابن خليل السكوني، وأبو إسحاق بن دهاق في جزئيهما في لحن العامة، فمن أراد ذلك ليطالع كلامها، لكن بشروط ثلاثة: أحدهما: أن ينظر ذلك لنفسه، لا لينتقص به غيره.
والثاني: أن يكون ذلك بعد إحكامه الاعتقاد، في جميع أموره.
الثالث: ألا يكثر القلقلة بذلك، فيشوش على عوام المؤمنين، وخاصتهم.
وهذه الشروط لازمة، لمن أراد مطالعة كتاب تلبيس إبليس على الصوفية.
ويزاد عليها: تحسين الظن بهم، بنفي ذلك مرة، وتأويله أخرى، والتسليم للقائل فيهم، إذ لم يتكلم إلا بعلم، واحترامهم إذا كانوا على قدم الصدق مع الحق.
ولا يبعد أن يكون للولي الهفوة والهفوات، والزلة والزلات، وإنما العظيم عند الله الإغترار والعناد والخروج عن الحق إلى ضد المراد، فليسئل الله العافية.
ومن العظائم، الكلام في تفسير القرآن بالرأي، من غير استناد إلى علم، وهو تحريف إن خالف، وإثم إن صادف، وقد قال رسول الله ﷺ: (من قال في القرآن برأيه فصادف فقد أخطأ، وإن أخطأ فقد كفر) .
ومن تحريفه: ترقيعه بالألحان، كالغناء، والهذ في قراءته، حتى يسقط الحروف ويخل بها، وكل ذلك حرام إجماعا.
1 / 7