فإن عدم من وجب له الحق، أو نائبه انتقل الحق إلى المساكين، إن كان مما ينتقل إليهم. وقد ذكر بعض العلماء، أن من استغفر لمظلومه دبر كل صلاة خمسا وفَّى حقه، وأظنه في العرض، والله أعلم.
والذمي، كالمسلم في عرضه وماله ونفسه كأنه لم يعط ذمته إلا ليحفظ بذمة الإسلام، وقد نص على ذلك في العرض أبو بكر بن العربي ﵀ وغيره.
ويجزيء التحري في مقدار ذلك.
والتوبة من ذنب مع المقام على غيره، صحيحة، والكمال التوبة من كل ذنب، وهي واجبة على الفور، فيجب من تأخيره لها التوبة من التأخير، كما يجب على مدمن الخمر التوبة منه ومن عدم النكير على جلسائه.
وذكر الذنب لا يوجب التوبة منه، بل ندبها على الصحيح، إن لم يكن فرحا بذكره، فيجب التوبة من فرحه به ورضاه بوقوعه، والعودة له هل توجب رجوع إثم قولان، والصحيح: لا، والله أعلم.
المطلب الثاني
المحارم
الغصن الأول المحارم اللسانية والمحارم التي يجب اجتنابها في اللسان أربعة: الكذب والغيبة، والفضيحة، والباطل.
الفرع الأول
الكذب
فأعظم الكذب الكذب على رسول الله ﷺ فيما يوجب حكما، أو ينقض أصلا.
ثم الكذب في الأخبار التي لا توجب ذلك عنده، وإن أوجبت مصلحة، كصلوات الأيام والليالي الفاضلة. والآيات وسائر الأحاديث الموضوعة، وروايتها من غير بيان إثم، كعامل بها، وهي ما روي عن أبي بن كعب ﵁، في فضائل السور، سورة سورة، وقال الشيخ أبو عبد الله البلالي: وأخطأ من ذكره من المفسرين.
وقد قال ﷺ: (من كذب علي متعمدا فليتبوء مقعده من النار) قيل وهذا تبشير بسوء الخاتمة. وحكى إمام الحرمين قولا في الإرشاد بتكفير الكاذب عليه ﷺ متعمدا، وهو ضعيف.
ثم الكذب على العلماء في نقل حكم، أو ما يقتضيه، وإن وافق الحق، لأن للوارث من الحرمة ما للموروث في باب ما ورث عنه.
ثم الكذب فيما يوجب حكما من أحوال الناس، وهي شهادة الزور المقتضية للتلبيس على الحاكم الشرعي، حتى يخرج الحكم في غير ما وضع له، ولذلك عزمه النبي ﷺ فقال: (ألا وقول الزور) مرتين أو ثلاث. وجاء: (من شهد زورا علق من لسانه يوم القيامة) .
ثم الكذب باعتبار التحكم على الله بالحتم بجنته أو ناره لأحد، وقد قيل: إن هذا كفر، وفي الحديث عنه ﷺ (من تألى على الله يكذبه) وهذا في غير المعين في النص منه ﵊ في الجهتين.
ثم الكذب على المنام، لأنه لعب بما هو من أجزاء النبوة، وقد قال ﵊: (من تحلم بحلم لم يره، كلف أن يعقد بين شعيرتين يوم القيامة وليس بعاقد) .
ثم الكذب فيما يوجب فوات حق مسلم، أو أخذ ماله، كالكذب في ثمن السلعة، ليأخذ فوق معتادها، أو الشهادة عليه بما لم يجب، أو السعي للظالم بغير حق.
ثم البهتان وهو: رمي المرء بما لم يفعل مما لا تعلق له بك، أو له بك تعلق. قال الله سبحانه: (وَمَن يَكسَب خَطيئَةً أَو إِثمًا ثُمَّ يَرمِ بِهِ بَريئا فَقَد احتَمَلَ بُهتانًا وَإِثمًا مُبينا) .
ثم الكذب باليمين بالله تعالى، فقد جاء (اليمين الغموس تترك الديار بلاقع) وسميت غموسا لأنها تغمس صاحبها في النار.
وقال ﵇: (اليمين منفقة للسلعة ممحقة للمال) وقال: (من حلق على يمين وهو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان) . ثم الكذب فيما يوجب ضررا غير متعلق بمال، ولا غيره، كمدح السلعة بما لا يوجب زيادة في الثمن، والكذب في الأراجيف المشوشة للذهن، والمضحكات، ونقل ذلك، فقد قال ﵇: (كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع) وقال: (بئس مطية الكذب زعموا) .
وقال: (إن الرجل ليتكلم بكلمة يرضي بها جلساءه تبلغ من سخط الله ما لم يظن) .
ثم الكذب في المدح لتحصيل منفعة، والكذب في الوعد يخلفه، والكذب في تزكية المرء لنفسه لتحصيل غرض، وقد قال رسول الله ﷺ: (إذا مدح أحدكم أخاه فليقل: أحسبه، ولا أزكي على الله أحدا) وقال ﵇: (ثلاث من كن فيه فهو منافق، إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان) وقال: (المتشبع بما لم يعطه كلابس ثوبي زور) ونهى ﷺ عن النجش، وهو: أن يزيد في السلعة لا لرغبة، بل ليخدع غيره.
1 / 4