والمحارم السمعية هي غير اللسانية، فكل ما لا يجوز اللغو به لا يجوز سماعه، فقد قال ﷺ: (المستمع شريك القائل)، وقال في السامع للغيبة إنه أحد المغتابين وقال: (من تسمع حديث قوم من غير إذنهم صب في أذنه الآنك يوم القيامة)، وقال مولانا جلت قدرته (فَبَشِر عِبادِ، الَّذَينَ يَستَمِعونَ القَولَ فَيَتَبِعون أَحسنَنَهُ) وقال: (خُذِ العَفوَ وَأمُر بِالعُرفِ) الآية، وقال في وصف عباده المخلصين: (وَإِذا مَروا بِاللَغوِ مَروا كِرامًا وَإِذا خاطَبَهُمُ الجاهِلونَ قالوا سَلامًا) (وَإِذا سَمِعوا الَلغوَ أَعرَضُوا عَنهُ) الآية، وقال: (وَالَّذَينَ هُم عَنِ اللَغوِ مُعرِضون) .
وفي هذا المعنى لبعض الشعراء:
تَحَرَّ مِن الطُّرقِ أَوساطِها ... وَعدِّ عَن الجانِبِ المُشتَبِه
وَسَمعُكَ صُن عَن سَماعِ القَبيحِ ... كَصونِ اللِسانِ عَنِ النُّطقِ بِه
فَإِنَّكَ عِندَ سَماعِ القَبيحِ ... شَريكٌ لِقائِلِهِ فانتَبِه
الغصن الثالث المحارم النظرية والمحارم النظرية كثيرة: ومنها: النظر للمرأة أو الصبي بشهوة نفس.
ومنها: النظر في كتاب الرجل من غير إذنه.
ومنها: التطلع إلى ما ستر عنك من حاجة أو غيرها.
ومنها: إجالة النظر، فيما أذن لك في دخوله، من بيت ونحوه بغير إذن.
ومنها: التطلع إلى عورة أحد من الخلق، ومنها الفخذان، إلا أن أمرهما خفيف.
ومنها: نظر الرجل إلى عورة نفسه لغير ضرورة وفي تحريمه وكراهته قولان حكاهما ابن القطان في أحكام النظر، ويقال: إن فاعله يبتلى بالزنا ونحوه وقد جرب.
ومنها: النظر إلى الجبابرة بعين التعظيم، والرضا بأحوالهم، واتباعهم البصر تعظيما.
ومنها: النظر بالاحتقار لأحد من الخلق، وكيف تحتقر من لا تقطع بأنك خيرا منه.
ومنها: النظر بالشزر لغير متكبر ولا ظالم لقصد زجره.
ومنها: النظر إلى الضعفاء من المؤمنين بعين السخرية والاستهزاء.
ومنها: الغمز، وهو كسر مؤخرة العين إشارة إلى احتقار، أو إيقاع فعل، أو إشعار بشيء.
ومنها: النظر فيما لا يحل كتبه ولا تعلمه لقصد ذلك. ويكره نظر أحد الزوجين لفرج صاحبه، لأنه يؤذي البصر، ويذهب بالحياء، وقد يرى ما يكره فيؤدي إلى البغضاء - وقالت عائشة ﵂: ما رأيت ذلك من رسول الله ﷺ قط، ولا رأى ذلك مني، وإن كنا نغتسل من إناء واحد تختلف أيدينا فيه.
وسئل سفيان الثوري عن النظر إلى أبواب أهل الدنيا المزوقة فقال: إنما صنعوها لينظر إليها ولو لم ينظر إليها لما صنعوها.
وقال بعض السلف: اللوطيون ثلاثدة، قوم بالفعل، وقوم بالنظر، وقوم بالمصافحة.
وقال ﵊: (من نظر في كتاب أخيه بغير إذنه فكأنما نظر في جمر جهنم)، وقال: (إنما جعل الإذن من أجل البصر) وجاء في تفسير قوله تعالى: (يَعلَمُ خائِنَةَ الأَعين)، هو الرجل يكون بين قوم، فتجوز عليه المرأة فيسارقها النظر، وفي قوله تعالى: (قُل لِلمُؤمِنينَ يَغُضوا مِن أَبصارِهِم) الآية، أمر، وتعليل، وتهديد.
ولا يجوز الخلوة بالصبي الجميل، وإن أمنت فتنته، قاله الشافعي، ﵁، ولا بالمرأة الأجنبية، بوجه، ولا بحال، فإن النساء حبائل الشيطان.
والنظر بالعين هو سبب الحين، وهو قوس إبليس، الذي إذا ضرب به لم يخطيء.
ثم الأمر كما قال بعض الشعراء وأحسن:
وَأًنتَ إِذا أرسَلتَ طَرفَكَ رائِدًا ... لِقَلبِكَ يَومًا أَتعَبتُكَ المَناظِرُ
رَأَيتُ الَّذي لا كُلَّهُ أَنتَ قادرُ ... عَليهِ وَلا عَن بَعضِهِ أَنتَ صابِرُ
وماحفظ أحد بصره إلا حفظ الله قلبه.
ومن أعظم الآفات، صحبة المردان، وتتبع الرخص، والتأويلات ولا يجوز لذي مروءة كشف راسه، ولا مشيه حافيا، إلا أن يكون عادة في بلاده لا يقبح، وأما كشف الكتفين ونحوهما فمطلقا إلا من ضرورة.
ويجوز للطبيب، والشاهد نظر وجه المرأة، وما لا بد له في ذلك منه من عورة، وغيرها بعذر الضرورة، لا ما وراء ذلك.
كما يجوز للخاطب نظر الوجه ونحوه.
وأحكام النظر كثيرة لابن القطان عليها تأليف نحو خمسة عشر كراسة، فليطالعه من أراد استيفاء أحكامه.
الغصن الرابع المحارم الفرجية والمحارم الفرجية أربعة:
1 / 11