Naissance des Droits de l'Homme: Un Aperçu Historique
نشأة حقوق الإنسان: لمحة تاريخية
Genres
لم يعد الإعلان العالمي يؤكد على أفكار الحقوق الفردية التي بزغت في القرن الثامن عشر من مساواة أمام القانون، وحرية التعبير، وحرية المعتقد، والحق في المشاركة في السياسة، وحماية الممتلكات الخاصة، ورفض التعذيب والعقاب الوحشي فحسب (انظر ملحق الكتاب)، وإنما حظر أيضا بكل وضوح العبودية، وأقر حق تصويت عالمي ومتساو عن طريق الاقتراع السري. وبالإضافة إلى ذلك، نادى الإعلان العالمي بحرية الانتقال، والحق في التمتع بجنسية، والحق في الزواج، والأمور الأكثر إثارة للجدل؛ مثل الحق في الضمان الاجتماعي، والحق في العمل والحصول على أجر متساو عن العمل المتساوي، يكفل العيش الكريم، والحق في الراحة وأوقات الفراغ، والحق في التعليم الذي يجب أن يتوفر مجانا في المراحل الابتدائية. وقد عبر الإعلان العالمي - إبان فترة تصاعد حدة الصراع في الحرب الباردة - عن مجموعة من التطلعات، وليس عن واقع يمكن بلوغه بسهولة؛ لقد حدد مجموعة من الالتزامات الأخلاقية للمجتمع الدولي، بيد أنه لم يملك آلية لتنفيذها، ولو أنه اشتمل على آلية للتنفيذ، لما كان ليعلن أبدا ؛ فما كانت الدول لتوافق عليه مطلقا. لكن على الرغم من كافة أوجه القصور، فإن وثيقة الإعلان تركت آثارا مشابهة لتلك التي كانت لإعلاني القرن الثامن عشر السابقين، فقد وضع الإعلان لما ينيف على الخمسين عاما معايير النقاش والعمل الدوليين فيما يتعلق بحقوق الإنسان.
بلور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مائة وخمسين عاما من الصراع من أجل الحقوق؛ فطيلة القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، حفظت المجتمعات الخيرة شعلة حقوق الإنسان العالمية مشتعلة، بينما انغلقت باقي الأمم على نفسها. وكان من أبرز تلك المجتمعات الجماعات التي قامت مستلهمة نموذج جماعة الكويكرز التي تأسست من أجل مكافحة الرق وتجارة الرقيق، وزعت «الجمعية البريطانية لإلغاء تجارة الرقيق»، التي تأسست في عام 1787، مواد مطبوعة وصورا تدعو لمكافحة تجارة العبيد، ونظمت حملات التماس جماعية موجهة للبرلمان، ووطد قادة هذه الجمعية علاقاتهم مع مناهضي الرق في الولايات المتحدة، وفرنسا، وجزر الكاريبي. وعندما أقر البرلمان عام 1807 قانونا لوقف المشاركة البريطانية في تجارة الرقيق، أعاد أنصار إلغاء الرق تسمية جمعيتهم ب «جمعية مكافحة الرق»، واتجهت إلى تنظيم حملات التماس جماعية كي تجعل البرلمان يلغي الرق نفسه كما ألغى تجارة الرقيق، الأمر الذي أقره البرلمان أخيرا عام 1833. عندئذ حملت «الجمعية البريطانية والأجنبية لمكافحة الرق» على عاتقها مسئولية القضاء على الرق في أماكن أخرى، وخاصة في الويات المتحدة.
وبناء على اقتراح من أنصار إلغاء الرق الأمريكيين، نظمت الجمعية البريطانية مؤتمرا عالميا لمكافحة الرق في لندن عام 1840 كي تنسق المقاومة الدولية للرق، وعلى الرغم من أن المفوضين رفضوا السماح لأنصار إلغاء الرق من النساء بالمشاركة بأي شكل رسمي، ومن ثم ساعدوا في تعجيل خطوات حركة حق النساء في التصويت، فإنهم أعطوا دفعة قوية لقضية مكافحة الرق عالميا بتكوين علاقات دولية جديدة، وبمعلومات حول ظروف العبيد، وقرارات نددت بالرق باعتباره «خطيئة في حق الله»، وأدانوا الكنائس التي تؤيد الرق، ولا سيما في جنوب الولايات المتحدة. ومع أن المؤتمر «العالمي» كان يخضع لهيمنة البريطانيين والأمريكيين، فقد كان بمنزلة نموذج لحملات دولية مستقبلية من أجل منح النساء حق التصويت، ومناهضة عمالة الأطفال، وحقوق العمال، ومجموعة متنوعة من القضايا الأخرى، وكانت بعض الحقوق متصلة والبعض الآخر غير ذات صلة؛ مثل حملة الاعتدال في شرب الخمر.
26
إبان خمسينيات وستينيات القرن العشرين، نحيت قضية حقوق الإنسان الدولية جانبا لصالح صراعات الاستقلال ومناهضة الاستعمار؛ ففي ختام الحرب العالمية الأولى، أصر الرئيس وودرو ويلسون - كما هو معروف - على أن السلام الدائم لا بد أن يكون قائما على مبدأ حق تقرير المصير القومي. قال ويلسون بإصرار: «لكل شعب الحق في اختيار السلطة التي سيعيش في ظلها.» كان يقصد حينها البولنديين، والتشيكوسلوفاكيين، والصرب - وليس الأفارقة - وقد منح هو وحلفاؤه الاستقلال لبولندا، وتشيكوسلوفاكيا، ويوغوسلافيا؛ لأنهم اعتبروا أنهم يملكون حق التصرف في الأراضي التي كانت تسيطر عليها من قبل القوى المهزومة، ووافقت بريطانيا العظمى على أن تلحق حق تقرير المصير القومي بميثاق الأطلنطي الذي صدر عام 1941، والذي يحدد المبادئ البريطانية الأمريكية المشتركة في خوض الحرب، غير أن وينستون تشرشل أصر على أن هذا يسري على أوروبا فحسب، وليس على مستعمرات بريطانيا، أما المفكرون الأفارقة فقد خالفوهم الرأي، وجعلوا هذا المبدأ جزءا من حملتهم المتصاعدة من أجل الاستقلال. ومع أن الأمم المتحدة فشلت في سنواتها الأولى في اتخاذ موقف قوي بشأن تفكيك الاستعمار ومنح الاستقلال للدول المحتلة، فقد وافقت بحلول عام 1952 على جعل حق تقرير المصير جزءا رسميا من برنامجها. وفي ستينيات القرن العشرين، استردت معظم الدول الأفريقية استقلالها؛ إما بوسائل سلمية أو بالقوة. ومع أن الدول الأفريقية المستقلة حديثا دمجت أحيانا في دساتيرها الحقوق المنصوص عليها في «الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية» لعام 1950 - على سبيل المثال - فكثيرا ما وقعت الضمانة القانونية للحقوق فريسة للتقلبات السياسية بين الدول وبين القبائل.
27
في العقود التي تلت عام 1948، تشكل إجماع دولي على أهمية الدفاع عن حقوق الإنسان على نحو متقطع. لقد بدأ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان العملية ولم يكن هو ذروتها. لم يتجل تطور حقوق الإنسان في أي مكان أكثر مما تجلى في أوساط الشيوعيين، الذين قاوموا هذه الدعوة زمنا طويلا؛ فبدءا من سبعينيات القرن العشرين، رجعت الأحزاب الشيوعية في غرب أوروبا إلى تبني موقف يشبه كثيرا ذلك الذي قدمه جوريس في فرنسا في مطلع القرن؛ فقدموا الديمقراطية والمصادقة على حقوق الإنسان صراحة، بديلا عن «الحكم الاستبدادي لطبقة البروليتاريا» في برامجهم الرسمية. ونحو نهاية ثمانينيات القرن العشرين، بدأت الكتلة السوفييتية تتحرك في نفس الاتجاه. واقترح الأمين العام للحزب الشيوعي، ميخائيل جورباتشوف، على مؤتمر الحزب الشيوعي لعام 1988 في موسكو أن الاتحاد السوفييتي ينبغي أن يكون من الآن فصاعدا دولة تخضع لسيادة القانون، ينعم فيها «المواطن السوفييتي بالحماية القصوى لحقوقه وحرياته». وفي العام نفسه، أنشئ قسم حقوق الإنسان للمرة الأولى في كلية حقوق سوفييتية. لقد حدث تقارب تدريجي في الفكر؛ إذ اشتمل الإعلان العالمي لعام 1948 على الحقوق الاجتماعية والاقتصادية - كالحق في التمتع بالضمان الاجتماعي، والحق في العمل، والحق في التعليم على سبيل المثال - وبحلول ثمانينيات القرن العشرين كانت معظم الأحزاب الاشتراكية والشيوعية قد تخلت عن معارضتها السابقة للحقوق السياسية والمدنية.
28
ولم تتوار المنظمات غير الحكومية البتة، وإنما اكتسبت المزيد من التأثير الدولي بدءا من ثمانينيات القرن العشرين، ويعزى هذا في المقام الأول إلى انتشار العولمة نفسها. قدمت منظمات غير حكومية - مثل «منظمة العفو الدولية» (التي تأسست عام 1961)، و«الجمعية الدولية لمكافحة الرق» (امتداد ل «جمعية مكافحة الرق»)، ومنظمة «مراقبة حقوق الإنسان» (الشهيرة باسم «هيومان رايتس ووتش»، التي تأسست عام 1978)، ومنظمة «أطباء بلا حدود» (تأسست عام 1971)، ناهيك عن عدد لا حصر له من الجماعات المحلية التي لم يذع صيت أنشطتها خارج مجتمعاتها المحلية - دعما غاية في الأهمية لحقوق الإنسان في العقود العديدة المنصرمة. وكثيرا ما تسببت المنظمات غير الحكومية في زيادة الضغط على الحكومات المنتهكة لحقوق الإنسان، وقامت بالكثير من أجل الحد من المجاعات، وانتشار الأمراض، والمعاملة الوحشية التي يتعرض لها المعارضون والأقليات، فاق ما قامت به الأمم المتحدة نفسها، غير أنها جميعا تقريبا بنت برامجها على الحقوق المنصوص عليها بوضوح في جزء أو آخر من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
29
Page inconnue