Naissance des Droits de l'Homme: Un Aperçu Historique
نشأة حقوق الإنسان: لمحة تاريخية
Genres
يمكن اقتفاء أثر علم الأعراق إلى نهاية القرن الثامن عشر ومحاولات تصنيف شعوب العالم. ثمة خيطان كانا قد نسجا في القرن الثامن عشر ثم جدلا معا في القرن التاسع عشر؛ أولا: الزعم بأن التاريخ شهد تطور الشعوب المتوالي صوب الحضارة والتمدن، وأن البيض كانوا أكثر الشعوب تطورا. ثانيا: فكرة أن السمات الدائمة المتأصلة قسمت الناس حسب العرق. واعتمدت العرقية، باعتبارها مذهبا نظاميا، على دمج هذين الشقين معا. افترض مفكرو القرن الثامن عشر أن كل الشعوب سوف تصل في نهاية المطاف إلى الحضارة، فيما حسب واضعو النظريات العنصريون في القرن التاسع عشر أن أجناسا بعينها فحسب هي التي بمقدورها الوصول إلى التمدن نتيجة لخصالهم البيولوجية الأصيلة فيهم. ويمكن رؤية عناصر هذا الدمج في كتابات لعلماء تعود إلى مطلع القرن التاسع عشر؛ مثل عالم الطبيعة الفرنسي جورج كوفييه، الذي كتب في عام 1817 يقول: «ثمة قضايا داخلية معينة» كبحت تطور سلالتي المغول والزنوج . غير أن هذه الأفكار لم تتخذ شكلها الكامل بوضوح إلا بعد منتصف القرن.
13
يمكن رؤية خلاصة هذا النوع من الكتابات والأفكار في مقال آرثر دي جوبينيو «عن عدم المساواة بين الأعراق البشرية» (1853-1855)؛ فباستخدام مزيج من الحجج المستقاة من علوم الآثار، والأعراق البشرية، واللغة، والتاريخ، أكد الدبلوماسي والكاتب الفرنسي دي جوبينيو أن السلم الهرمي للأعراق الذي عماده البيولوجيا حدد تاريخ البشرية. رقد في قاع السلم العرقي أعراق ما دون البشر، غير المفكرين، أصحاب البشرة السوداء شديدو الشهوانية؛ وفوقهم أعراق الصفر، الفاترون، المتواضعون، ولكنهم العمليون في الوقت نفسه؛ واعتلى قمة السلم أعراق البيض المثابرون، النشطاء فكريا، والمغامرون، الذين امتلكوا توازنا بين «غريزة غير عادية للنظام» و«ولع واضح بالحرية». وبداخل الجنس الأبيض، كانت السيادة من نصيب الجنس الآري. وخلص جوبينيو إلى أن: «كل ما هو عظيم ونبيل ومثمر في حياة الإنسان على هذه الأرض في العلوم والفنون والحضارة» مستمد من الجنس الآري. ولما نزح الآريون عن وطنهم الأول في وسط آسيا، شكلوا أساس ووقود الحضارات الهندية، والمصرية، والصينية، والرومانية، والأوروبية، بل وحتى حضارتي الآزتك والإنكان، من خلال الاستعمار.
14
وطبقا لجوبينيو، سوغ الاختلاط بين الأجناس بالتزاوج نهضة الحضارات وسقوطها. كتب يقول: «تهيمن مسألة العرق على سائر مشكلات التاريخ الأخرى وتملك مفاتيحها.» غير أنه اعتقد - على خلاف بعض من أتباعه اللاحقين - أن الآريين فقدوا بالفعل مزيتهم من خلال التزاوج مع أجناس أخرى، وأن المساواة والديمقراطية سوف تنتصران في نهاية المطاف - مع أن هذه الفكرة تثير اشمئزازه - معلنتين نهاية الحضارة ذاتها. ومع أن أفكار جوبينيو الخيالية العجيبة لم تستهو الكثيرين في فرنسا، فإنها لاقت استحسان إمبراطور ألمانيا فيلهلم الأول (الذي حكم في الفترة بين عامي 1861 و1888)، حتى إنه منح جوبينيو الفرنسي المواطنة الفخرية. كما تبنى أفكاره أيضا الملحن الألماني ريتشارد فاجنر، ثم صهر فاجنر المؤلف الإنجليزي ومحب اللغة والأدب والحضارة الألمانية هيوستن ستيوارت تشامبرلين، ومن خلال تأثير تشامبرلين، بات الجنس الآري - كما وصفه جوبينيو - عنصرا محوريا في أيديولوجية هتلر العنصرية.
15
قدم جوبينيو قالبا علمانيا منهجيا لأفكار كانت متداولة بالفعل في معظم أنحاء العالم الغربي؛ ففي عام 1850 - على سبيل المثال - نشر خبير علم التشريح الاسكتلندي روبرت نوكس عمله «أعراق البشر» الذي زعم فيه أن «العرق - أو السلالة - هو كل شيء؛ فهو يدمغ الإنسان»، وفي العام التالي، قدم جون كامبيل، رئيس اتحاد فيلادلفيا لمنضدي الحروف الطباعية عمله «الهوس بالزنوج؛ فحص المساواة المزعومة خطأ بين الأجناس البشرية». ولم تقتصر العنصرية على جنوب الولايات المتحدة؛ فقد استشهد كامبيل بكوفييه ونوكس من بين آخرين ليؤكد على وحشية وبربرية الزنوج، وكي يفند أي إمكانية للمساواة بين البيض والسود. ولما كان جوبينيو نفسه قد انتقد المعاملة التي يعامل بها العبيد الأفارقة في الولايات المتحدة، اضطر مترجموه الأمريكيون إلى حذف هذه الفقرات؛ كي يجعلوا العمل أكثر قبولا لدى مؤيدي العبودية من أهل الجنوب عندما نشر بالإنجليزية في عام 1856. وهكذا فإن احتمال إلغاء الرق (الذي لم يصبح رسميا في الولايات المتحدة إلا في عام 1865) زاد من شدة الاهتمام بعلم الأعراق والأجناس.
16
كما توضح عناوين أعمال جوبينيو وكامبيل، كانت السمة المشتركة في معظم طرق التفكير العنصرية هي رد فعل باطني عميق مناهض لفكرة المساواة، وقد اعترف جوبينيو لتوكفيل بالاشمئزاز الذي أثاره في نفسه «أصحاب بدل العمل المتسخة» [العمال] الذين كانوا قد شاركوا في ثورة عام 1848 في فرنسا. أما كامبيل فقد شعر بالاشمئزاز من الوقوف على منصة سياسية واحدة مع ملونين. وما كان في وقت من الأوقات بمنزلة رفض أرستقراطي للمجتمع المعاصر - أي رفض الاختلاط بالطبقات الأدنى - اتخذ الآن دلالة عنصرية. ولعل ظهور السياسة الجماهيرية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر قوض تدريجيا معنى الفرق الطبقي (أو بدا وكأنه فعل هذا)، على أن هذه السياسة لم تمح الفروق كلية، وتحول الفرق من فرق في الطبقة إلى فرق في العرق والجنس، وتضافر إرساء حق الاقتراع العالمي للذكور مع إلغاء الرق وبداية الهجرة الجماعية لجعل المساواة أكثر واقعية وأكثر تهديدا.
17
Page inconnue