Naissance des Droits de l'Homme: Un Aperçu Historique
نشأة حقوق الإنسان: لمحة تاريخية
Genres
كانت التغيرات التي طرأت في القرن الثامن عشر على العروض الموسيقية والمسرحية، وفن العمارة المنزلي، وفن الرسم، قائمة على التغيرات الأطول أجلا في التوجهات الفكرية. علاوة على ذلك فإن هذه التجارب الجديدة ثبت أنها غاية في الأهمية من أجل بزوغ ملكة الحس ذاتها. ففي العقود التي تلت عام 1750، بدأ مرتادو الأوبرا الإنصات في سكون إلى الموسيقى بدلا من الخروج ليعرجوا على أصدقائهم ويتسامروا معهم، وهو ما أتاح لهم تذوق مشاعر فردية قوية تجاوبا مع الموسيقى. روت إحدى السيدات ردة فعلها لدى مشاهدة أوبرا «ألسيست» لمؤلفها الألماني جلوك التي عرضت للمرة الأولى في باريس عام 1776 قائلة: «أصغيت إلى هذا العمل الجديد بكل جوارحي ... ومنذ سمعت النغمات الأولى تملكني شعور قوي بالرهبة والإجلال، وشعرت بواعز ديني قوي للغاية ... حتى إنني وبدون وعي انحنيت على ركبتي في مقصورتي وظللت في هذا الوضع، خاشعة مشبكة يدي حتى انتهى العمل.» كانت ردة فعل هذه المرأة (التي وقعت خطابها باسم بولين دي ر...) مدهشة للغاية؛ لأنها تشبه هذه التجربة صراحة بتجربة دينية. كان أساس كل سلطة يتحول من إطار غيبي ديني إلى إطار داخلي إنساني، على أن هذا التحول ما كان سيبدو منطقيا في أعين الناس ما لم يختبروه على المستوى الشخصي، بل عن كثب أيضا.
14
أظهر جمهور المسرح ولعا أكبر بإثارة الجلبة من عشاق الموسيقى، لكن حتى في المسرح أنبأت ممارسات جديدة بمستقبل مختلف تؤدى فيه العروض المسرحية في جو من الهدوء أشبه بالسكون الديني. في أوقات كثيرة من القرن الثامن عشر، كان جمهور المتفرجين الباريسيين يفتعلون معا السعال والبصق والعطس وإخراج الريح؛ بغية التشويش على العروض التي ينفرون منها، وعادة ما كانت تعترض صفوف الممثلين عروض عامة للسكر والمشاجرات. وللمباعدة بين الممثلين والمشاهدين ومن ثم صعوبة التشويش على العروض، ألغي الجلوس على خشبة المسرح في فرنسا عام 1759. وفي عام 1782 بلغت الجهود المبذولة لإرساء النظام في قاعة المسرح ذروتها بإدخال المقاعد إلى المسرح القومي الفرنسي؛ فقبل ذلك الحين كان المتفرجون في الردهة يجولون بحرية، بل أحيانا يتصرفون كغوغاء وليس كجمهور مشاهدين. وعلى الرغم من الجدل المحتدم الذي دار في صحف ذلك الوقت حول المقاعد واعتبار البعض أنها اعتداء خطير على حرية القاعة ووضوحها، فإن اتجاه التطورات بات جليا: كان الهيجان الجماعي في سبيله للاختفاء لتظهر مكانه التجارب الداخلية الفردية الأكثر هدوءا.
15
عزز فن العمارة المنزلي هذا الإحساس بالانفصال الفردي؛ إذ باتت خصوصية «الغرفة» في المنازل الفرنسية تزيد باطراد في النصف الثاني من القرن الثامن عشر. فما كان في وقت من الأوقات غرفة عامة الأغراض أصبح «غرفة النوم»، وفي الأسر الأيسر حالا كان للأطفال غرف نوم خاصة بهم بمعزل عن الآباء. وبحلول النصف الثاني من القرن الثامن عشر، بات ثلثا منازل باريس يحوي غرف نوم، فيما احتوى منزل واحد بين كل سبعة منازل على غرف طعام. وبدأ علية القوم في باريس يطالبون بعمل حجرات متنوعة للاستخدامات الخصوصية بدءا من البدوار (وهي لفظة مشتقة من كلمة فرنسية بمعنى «التجهم»؛ أي إنها غرفة للتجهم على انفراد) ووصولا إلى المراحيض وغرف الاستحمام. ومع ذلك، لا ينبغي المبالغة في وصف التحول نحو الخصوصية الفردية، على الأقل في فرنسا؛ فقد كان المسافرون الإنجليز يتأففون باستمرار من عادة الفرنسيين المتمثلة في نوم ثلاثة أو أربعة غرباء في غرفة واحدة في النزل (مع أنهم ينامون في أسرة منفصلة)، واستخدام المرحاض على مرأى من الجميع، والتبول في المدفأة، وإلقاء محتويات وعاء التبول والتغوط من النافذة إلى الشارع. غير أن تأففهم يبرهن على أن ثمة عملية مستمرة للتحول نحو المزيد من الخصوصية الفردية في كل البلدان. في إنجلترا، ثمة مثال جديد بارز، وهو الحديقة ذات الممر الدائري التي أنشئت في الضياع الريفية في الفترة بين أربعينيات وستينيات القرن الثامن عشر؛ فقد صممت الحلقة المغلقة بمناظرها وتماثيلها المنتقاة بعناية فائقة بغية تعزيز التأمل واستدعاء الذكريات.
16
لطالما كانت الأجساد في بؤرة اهتمام الرسم الأوروبي، لكن قبل القرن السابع عشر، كان التركيز منصبا في الغالب على أجساد أفراد العائلة المقدسة، والقديسين الكاثوليكيين، أو الحكام ورجال حاشيتهم. وفي القرن السابع عشر والقرن الثامن عشر على نحو خاص، بدأ المزيد من الناس العاديين يطلبون رسم لوحات لأنفسهم ولعائلاتهم. وبعد عام 1750 احتوت المعارض العامة التي كانت تقام بانتظام - وكانت هي نفسها ملمحا جديدا من ملامح الحياة الاجتماعية - على أعداد متزايدة من اللوحات التي تصور الناس العاديين في لندن وباريس، وإن ظلت الرسومات المستوحاة من حكايات التاريخ تصنف رسميا على أنها الطراز الأصلي لفن الرسم.
في المستعمرات البريطانية في أمريكا الشمالية، ساد فن رسم الأشخاص على جميع الفنون المرئية، ويعزى هذا في جزء منه إلى أن التقاليد الكنسية والسياسية الأوروبية كانت أقل شأنا وقيمة في أمريكا. ولم تنل اللوحات أهمية إلا في مستعمرات القرن الثامن عشر؛ فاللوحات التي رسمت في المستعمرات في الفترة بين عامي 1750 و1776 بلغت ضعف اللوحات التي رسمت بين عامي 1700 و1750 أربع مرات، وكان كثير من هذه اللوحات يصور سكان المدن العاديين وملاك الأراضي (انظر الشكل رقم
2-4 ). وعندما نال فن رسم لوحات مستوحاة من حكايات التاريخ شهرة جديدة في فرنسا في ظل الثورة وإمبراطورية نابليون، ظلت اللوحات التي تصور الأشخاص تشكل 40٪ من الرسومات التي تعرض في الصالونات الفنية. ارتفعت الأسعار التي كان يطلبها رسامو لوحات الأشخاص في العقود الأخيرة من القرن الثامن عشر، ونشرت الطباعة اللوحات وسط جمهور عريض يتجاوز كثيرا الشخص الأصلي الذي رسمت صورته وعائلته. وكان أشهر رسام إنجليزي في هذا العصر هو السير جوشوا رينولدز الذي اكتسب سمعته عن طريق تصوير الأشخاص، والذي «خلص فن رسم اللوحات من التفاهة»، كما ذكر هوارس والبول.
17
Page inconnue