La Naissance de la philosophie scientifique
نشأة الفلسفة العلمية
Genres
Henri Poincaré ، وبمقتضاه تكون الهندسة مسألة اصطلاحية، ولا يكون هناك معنى لقضية تزعم أنها تصف هندسة العالم الفيزيائي.
على أن اختبار هذه الحجة بمزيد من الدقة كفيل بأن يثبت أنها غير مقبولة؛ فعلى الرغم من أن من الممكن استخدام كل نسق هندسي في وصف تركيب العالم الفيزيائي، فإن النسق الهندسي إذا ما أخذ وحده لا يصف ذلك التركيب وصفا كاملا، ولن يكون الوصف كاملا إلا إذا اشتمل على قضية عن مسلك الأجسام الصلبة والأشعة الضوئية. وعندما نسمي الوصفين متساويين، أو صحيحين بقدر متساو، فإننا نشير إلى الأوصاف الكاملة بهذا المعنى، ومن بين هذه الأوصاف الكاملة، سيكون هناك وصف واحد، وواحد فقط، لا يقال فيه عن الأجسام الصلبة والأشعة الضوئية إنها «انحرفت أو شوهت» بفعل القوى الكونية. وسوف أستخدم للدلالة على هذا الوصف اسم النسق السوي
normal system . والآن يمكننا أن نتساءل عن أي الهندسيات تؤدي إلى النسق السوي، وهذه الهندسة يمكن تسميتها ب «الهندسة الطبيعية
natural geomefty ». ومن الواضح أن السؤال المتعلق بالهندسة الطبيعية، أي بالهندسة التي لا تكون الأجسام الصلبة والأشعة الضوئية منحرفة أو مشوهة بالنسبة إليها، لا يمكن الإجابة عنه إلا بالبحث التجريبي؛ وبهذا المعنى يكون السؤال عند هندسة المكان الفيزيائي سؤالا تجريبيا.
وفي استطاعتنا أن نضرب مثالا للمعنى التجريبي للهندسة بالإشارة إلى مفاهيم نسبية أخرى. فإذا قال أحد سكان نيويورك «إن الشارع الخامس على يسار الشارع الرابع»، فإن هذه العبارة لا تكون صحيحة ولا باطلة ما لم يحدد الاتجاه الذي ينظر منه إلى هذين الشارعين؛ أي إن العبارة الكاملة «الشارع الخامس على يسار الشارع الرابع منظورا إليهما من الجنوب» هي وحدها القابلة للتحقيق، وهي معادلة للعبارة «الشارع الخامس على يمين الشارع الرابع منظورا إليهما من الشمال». وهكذا فإن المفاهيم النسبية، مثل «على يسار» و«على يمين» تصلح تماما للاستخدام في صياغة المعرفة التجريبية، ولكن من الواجب الحرص على أن تكون الصياغة مشتملة على نقطة الإشارة؛ وبهذا المعنى نفسه تكون الهندسة تصورا نسبيا. فنحن لا نستطيع الكلام عن هندسة العالم الفيزيائي إلا بعد أن نكون قد قدمنا تعريفا إحداثيا للتطابق. وعلى هذا الشرط يمكن إصدار قضية تجريبية عن هندسة العالم الفيزيائي. وعلى ذلك فعندما نتحدث عن الهندسة الفيزيائية، يكون من المفهوم أننا وضعنا تعريفا إحداثيا معينا. ولو كان ما أراد بوانكاريه أن يقوله هو أن اختيار وصف واحد من مجموعة الأوصاف المتكافئة مسألة اصطلاحية، لكان في ذلك على حق. أما إذا كان قد اعتقد أن تحديد الهندسة الطبيعية، بالمعنى الذي عرفناها به، هو مسألة اصطلاحية، فإنه يكون في ذلك مخطئا؛ إذ إن من المستحيل التحقق من هذه الهندسة إلا بطريقة تجريبية. ويبدو أن بوانكاريه كان يعتقد خطأ أن القضيب «الصلب»، وبالتالي التطابق، لا يمكن أن يعرف إلا على أساس اشتراط أن تكون الهندسة الناتجة إقليدية. وهكذا ذهب إلى أنه لو أدت قياسات مثلت إلى أن يكون مجموع الزوايا مختلفا عن 180 درجة، لكان من الضروري أن يصحح الفيزيائي مسارات الأشعة الضوئية وأطوال القضبان الصلبة، وإلا لما أمكنه أن يقول ما يعنيه بالأطوال المتساوية. غير أن بوانكاريه أغفل أن هذا الاشتراط قد يدفع الفيزيائي إلى افتراض قوى كونية،
2
وأن تعريف التطابق يمكن، على العكس من ذلك، أن يقدم على أساس اشتراط استبعاد القوى الكونية، وعن طريق استخدام تعريف التطابق هذا يمكن إصدار قضايا تجريبية متعلقة بالهندسة.
وإني لأود أن أعرض النقد الذي أوجهه إلى بوانكاريه بمزيد من الإسهاب؛ إذ إن العلامة أينشتين قام في الآونة الأخيرة بالدفاع عن المذهب الاصطلاحي بطريقة ذكية، فوصف محادثة خيالية بين بوانكاريه وبيني.
3
ولما كنت أعتقد أنه لا يمكن أن تقوم خلافات في الرأي بين الفلاسفة الرياضيين إذا ما عرضت الآراء بوضوح، فإني أود أن أعرض رأيي على نحو من شأنه، إذا لم يقنع بوانكاريه، أن يقنع العلامة أينشتين، الذي أكن لأعماله العلمية من الإعجاب ما يعادل إعجابه بأعمال بوانكاريه، وهو الإعجاب الذي أعرب عنه بطريقة رائعة.
Page inconnue